ما صنعت أيديكم

ما صنعت أيديكم
الرابط المختصر

بماذا يفكر رجال الدولة الذين أداروا المرحلة الانتقالية اليوم، وهم يتابعون بالصوت والصورة المعارك تحت قبة البرلمان؟

هل يدركون سوء خياراتهم عندما تمسكوا بقانون انتخاب لم يحقق للبلد سوى أمر واحد؛ مقاطعة معظم القوى الحزبية المنظمة للانتخابات، ووصول نواب من الطراز الذي نشاهده هذه الأيام؟!

أين انتهت القيمة النوعية الوحيدة في القانون، وأعني القائمة الوطنية؟

إذ لا نكاد نشعر بوجود النواب الـ27، فقد ابتلعتهم الأغلبية الفردية، وتحولوا إلى مجرد نواب، مثلهم مثل غيرهم.

تخيلوا صورة المجلس لو أن الحركة الإسلامية، ومعها شخصيات وتيارات سياسية، كانت مشاركة في الانتخابات.

سيكون هناك على الأقل كتلة متماسكة من 40 نائبا تقريبا، سيغير وجودها شكل المجلس وطريقة عمله، وسيحفز الكتل الأخرى على البقاء موحدة في مواجهة قطب برلماني كبير.

ولكان المجلس والشعب ارتاحا من وجوه نيابية ما كانت تحلم بالنجاح بوجود مرشحين يمثلون التيارات الرئيسة في البلاد، كالحركة الإسلامية.

البلاد كلها تدفع اليوم ثمن موقف شخصيات رجعية، أبت إلا أن تبقي العملية الديمقراطية أسيرة الصوت الواحد. ما الفرق بين المجلس السابق والمجلس الحالي؟

كنا نراهن على تغيير، ولو محدود، في العمل النيابي.

لكن ثقافة الصوت الواحد انتصرت بسرعة؛ طوشات، ومسدسات، وإغراق في الفردية على حساب العمل الجماعي.

العدد القليل من النواب الطامحين إلى تطوير أداء المجلس، على وشك أن يخسروا التحدي. وكنت بالأمس أرى مشاعر الإحباط واليأس مرسومة على وجوههم، وهم يتابعون من مقاعدهم أحلام التغيير تتبخر تحت وقع المواجهات.

لو كنت مكان المعارضة، لما فكرت بتنظيم أي فعالية احتجاجية؛ أداء المجلس يكفي وحده ليؤكد صواب موقفها من القانون، ومقاطعتها للانتخابات.

انتفض النواب في وجه رئيس الوزراء بعد قرار حكومته رفع أسعار المشتقات النفطية لهذا الشهر؛ خطبوا لمدة ست ساعات ضده. وعندما جاء دوره للرد على مداخلاتهم، لم يحتملوا الاستماع له ربع ساعة.

أي ديمقراطية هذه؟!

بعد أن تمكن الأردن من إجراء الانتخابات النيابية بدرجة معقولة من النزاهة، وبدون تدخل رسمي في مجرياتها؛ ومع اتجاه الشارع إلى الهدوء على أمل بتحقيق وعود الإصلاح بشكل متدرج، ساد انطباع في أوساط المراقبين المحليين والأجانب بأن الدولة الأردنية، وخلافا للحالة في دول الربيع العربي، صارت أكثر قوة، بينما المعارضة تضعف.

المقاربة بدت منطقية إلى حد كبير. لكن إذا استمر مجلس النواب على النحو الذي نشهده، فإن العملية الانتقالية ستشهد انتكاسة كبيرة، لا يمكن بعدها التنبؤ بالنتائج.

يتعين على الحكماء، في الدولة ومجلس النواب، أن يتداعوا إلى عقد خلوة مغلقة لتدارس الحالة القائمة، والتفاهم على خطوات من شأنها وضع حد للموقف المتدهور تحت القبة، لإنقاذ سمعة المجلس، لا بل عملية الإصلاح برمتها، والتي أفسدها قانون الصوت الواحد.

الغد

أضف تعليقك