ما سر نزعة الانفصال عند الأردنيين؟
الأسباب المعلنة لاحتجاجات البلديات لا تكفي لتفسير الظاهرة .
ألهذا الحد لا يطيق الاردنيون بعضهم? ما سر هذه النزعة للانفصال, فما ان سمحت الحكومة للبلديات التي اندمجت بفك ارتباطها حتى سارع المواطنون الى تقديم عرائض تطالب بالانفكاك, ومن لم ينالوا مرادهم لجأوا الى التصعيد. في غضون ايام قليلة ولدت 98 بلدية جديدة والحبل على الجرار.
قرابة عشر سنوات من تجربة الاندماج لم تكف لتحقيق القبول والرضا. ثمة اسباب مفهومة لما يحصل, لكنها ليست كافية لتفسير الظاهرة. تراجع مستوى الخدمات في بعض المناطق بعد الدمج والتمييز بين المناطق تبعا للمصالح الانتخابية لرئيس واعضاء المجلس البلدي يمكن اعتبارها اسبابا وجيهة لطلب الانفصال, ونضيف اليها سببا آخر لا يقل اهمية عن غيره, وهو ان الدمج قَلّص قاعدة الوجاهة الاجتماعية والانفصال سيوفر شواغر جديدة للطامحين بلعب دور قيادي في مجتمعاتهم المحلية.
بَيْدَ ان هذه الأسباب على وجاهتها لا تكفي لتبرير حالات التصعيد والاحتجاج التي تشهدها مناطق عديدة في المملكة, لقد بدا من سلوك مواطنين خلال الايام الماضية وكأنهم يخوضون مواجهة مصيرية ولأجلها لا يتورعون عن تصعيد الموقف الى اقصى درجة نَتخيّلها.
أعتقد أن لهذه الظاهرة وجهاً آخر يعكس صورة من صور الفجوة المتنامية بين الدولة والمجتمع. الشعور العام خاصة في المحافظات بافتقاد دور الدولة ومؤسساتها يأخذ تعبيرات مختلفة, ففي كل مستوى من مستويات العلاقة تبرز نزعة عدائية في تلك المحافظات تجاه المركز - اي مركز للسلطة - ورغبة بالانفصال يغذيها شعور قطاعات واسعة من المواطنين بما يسمونه سياسات الاقصاء والتهميش للاطراف لحساب المركز "العاصمة".
ضعف رابطة الدولة يتجلى اليوم على نحو مقلق في ميل الناس الى الانكفاء والاحتماء بمجتمعات محلية مغلقة على العشائر والعائلات.
المشهد الحالي يعكس وجها من وجوه الفوضى الحاصلة في ادارة السياسات والاولويات في البلاد, وغياب الصورة الكلية عند اتخاذ القرارات وسن التشريعات. في مناخ سياسي كالذي نمر فيه, كان على صناع القرار الحكومي ان يسألوا انفسهم: هل هذا هو الوقت المناسب لتشريع عملية التفكيك? وهل اجراء الانتخابات البلدية قبل النيابية أولوية حقا? اليوم لا نملك معايير موحدة لملف البلديات برمتها, في المحافظات نصدر قرارات فك الارتباط بالجملة, وفي عمان نفصل مناطق دمجناها قبل اقل من خمس سنوات وفي الوقت نفسه نقلص مناطق العاصمة القديمة من 27 منطقة الى 8 مناطق ونشرع نظاما انتخابيا يهدد التوازن في التمثيل, وهكذا تدور العجلة من دون ان تعرف طريقها.
واذا اضفنا الى ذلك كله توجه قوى حزبية لمقاطعة الانتخابات فأي فَرْق ستحدثه تجربة الانتخابات البلدية في المشهد السياسي الاردني, واي نوع من التأثير ستتركه على اجواء الانتخابات النيابية المبكرة?
ينبغي التفكير بكل هذه الاسئلة والاجابة عليها قبل ان نتورط في عملية خالية من اي مضمون ومعنى, تفاقم الازمة بدل ان تساهم في حلها.
العرب اليوم