ما دور المجتمع المدني في الإصلاح؟

ما دور المجتمع المدني في الإصلاح؟

تعدّ مؤسسات المجتمع المدني عالميا أحد أهم الأعمدة في بناء مجتمع متكافئ. يأتي دورها في مجال التوعية، والرقابة على مؤسسات الدولة على خلفية تمثيلها للمجتمع المحلي غير الحكومي.   لكن في بلادنا وفي غالبية الدول النامية، يواجه نشطاء المجتمع المدني حملات معارضة متعددة الأطراف بهدف شيطنتهم وشيطنة عملهم. فتنطلق بين الحين والآخر حملات تطالب بإقصاء المجتمع المدني تحت حجج رخيصة وغير مبررة تتهم مؤسساته والقائمين عليها بالفساد والإفساد وحمل أجندات خارجية.   طبعا، المجتمع المدني مثل غيره، فيه أخطاء ومخطئون، وفيه صالحون وفاسدون، لكن الكلام المتكرر لمسؤولين كبار ومفكرين متطفلين عن أن مؤسسات المجتمع المدني فاسدة وخائنة لا يوفر قاعدة منطقية للنقاش. مع الإشارة إلى أنه لم يتم تحويل أي من هذه المؤسسات "الفاسدة" لهيئات محاربة الفساد الرسمية أو غيرها من المؤسسة المؤتمنة على صحة الدولة السياسية وتطبيق القانون.

في بلادنا وفي غالبية الدول النامية، يواجه نشطاء المجتمع المدني حملات معارضة متعددة الأطراف بهدف شيطنتهم وشيطنة عملهم

تعمل مؤسسات المجتمع المدني ضمن القانون والأنظمة، وتلتزم بها التزاما تاما، وكل مخالفة لها تشكل مدخلا سهلا للحكومة وحتى للمواطن بإحالة المؤسسات المخالفة للقوانين إلى القضاء، لكن المتابع للنقاش العام يخرج بانطباع وكأن مؤسسات المجتمع المدني خارجة عن القانون ولا سيطرة للحكومة عليها، وهذا أمر عار عن الصحة كليا.   يبرز في خضم النقاش موضوع التمويل الخارجي وأهدافه، وإلقاء تهم بفرض أفكار وبرامج خارجية تعارض رؤى وتطلعات المواطنين والوطن.   وهنا يمكن طرح الحكومة الأردنية لرؤية 2025، التي تتضمن خططها في التطوير والإصلاح في السنوات المقبلة، مدخلا جيدا يتفق عليه الأطراف كافة.   ورغم أن هذه الرؤية لم تشمل كما سابقتها ملفات الإصلاح السياسي، ورغم غياب تمثيل المواطنين من خلال مجلس الأمة أو مؤسسات المجتمع المدني في صياغة تلك الرؤية، إلا أن مؤسسات المجتمع المدني وافقت والتزمت بتحديد مشاريعها وبرامجها ضمن تلك الرؤية المفصلة وشقيقتها الوثيقة الخاصة بوضع اللاجئين السوريين في الأردن، التي تشمل أي مشروع معتمد على التمويل الخارجي مخصص للاجئين بحيث يتضمن كذلك خدمات للمواطنين، فلا يتم دعم طرف على حساب آخر. وخلافا لما يعتقد به ويروج له كثيرون، فإن مؤسسات المجتمع المدني تدار جميعها من قبل مجالس محلية طوعية، تشمل في معظمها شخصيات وطنية مشهود لها بالعطاء والخدمة العامة، ولا ينال رؤساء وأعضاء تلك المجالس على أي مقابل مالي، ويجري استثمار الإيرادات الإضافية لخدمة المجتمعات المحلية، ولا توزع على مالكين تلك المؤسسات.   ولكن ضمن محاولات الحكومات السيطرة على مؤسسات المجتمع المدني يجرى وضع قيود بيروقراطية وإدارية تفرض ضرورة تقديم تفاصيل المشاريع لموظفين حكوميين لا دراية لهم أحيانا بالشأن الذي يتم الطلب منهم البت فيه، مما يؤدي في بعض الأوقات إلى إلغاء مشاريع جيدة لأسباب تافهة.   الغريب في الموضوع أن التمويل الأجنبي يأتي ضمن اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف مع الأردن بأهداف توافق عليها الحكومة وتخدم مصالحها. كما يأتي بعض الدعم لمؤسسات المجتمع المدني الأردنية من صناديق عالمية توفر دعما لمشاريع معينة على مستوى العالم، لذا فإن وجود مؤسسات ذات كفاءة عالية تضمن للأردن والأردنيين زيادة الدعم الدولي للبلاد. مؤخرا، عقد رئيس الوزراء الأردني عمر الرزاز، الذي أتى من رحم المجتمع المدني عدة لقاءات مع ممثلي المجتمع المدني كان آخرها اجتماع واسع يوم الثلاثاء الأول من شهر كانون الأول/ديسمبر، بدعوة من مؤسسة شومان للتباحث حول كيفية التعاون المشترك بين الحكومة والمجتمع المدني وقد جرى نقاش جاد وصريح.  

هناك فرصة للعديد من الدول النامية للتقدم في العديد من المجالات نتيجة تعاون وتشارك القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني مع الحكومة

ورغم أن هناك فرصة للاستفادة من المجتمع المدني في تطوير خطط مستقبلية مثل رؤية الأردن 2025 إلا أن تلك الخطة جاءت ضعيفة لأن ابتكارها حصل داخل الحكومة. فعلى سبيل المثال لا الحصر، تخلو تلك الخطة من أي دور للإعلام، وخاصة الإعلام المجتمعي، في مجال التوعية واللامركزية، رغم أن الإعلام المجتمعي يعتبر ركيزة مهمة في تطوير أي خطة مجتمعية جادة بما في ذلك اللامركزية. كما يأمل ويتمنى القائمون على مؤسسات المجتمع المدني زيادة اهتمام الشركات والمؤسسات الوطنية، من ضمن مسؤوليتها الاجتماعية، بدعم مشاريع تخدم المجتمع، وهو ما يتطلب التأكيد على تعديل النظام الضريبي ليسمح للشركات الراغبة بدعم المجتمع المدني من الحصول على إعفاء ضريبي على تلك التبرعات، وليس بنسبة ضئيلة منه كما يحصل حاليا.   قد يكون هناك بعض الحلول العملية لتجاوز تزايد عمليات الشك في أهداف التمويل الخارجي. ربما يكون الحل الأمثل لضمان التنسيق وتوفير الفائدة المشتركة من التعاون خلق إطار طوعي مكون من أربعة أضلاع وهي الحكومة والشركاء الدوليين والمجتمع المدني والقطاع الخاص، بحيث يتم نقاش حاجات الأردن وتنسيق الجهود بين تلك الأطراف كي لا يكون هناك تعارض أو تكرار للمشاريع وليكون الهدف الوطني مشترك رغم تعدد الأطراف.   هناك فرصة للعديد من الدول النامية للتقدم في العديد من المجالات نتيجة تعاون وتشارك القطاعين العام والخاص ومؤسسات المجتمع المدني مع الحكومة. إن هذا التطور والنجاح مهدد بالتراجع إذا استجابت الحكومة لأصوات نشاز تريد السيطرة الكاملة على مؤسسات محلية أهلية وطنية تهدف إلى خدمة المجتمع وضرب استقلاليتها ودورها كشريك أساسي في بناء دولة حضارية تقدمية تؤمن بمساوة المواطنين وحكم القانون وتوزيع عادل للثروات

  • الحرة
أضف تعليقك