ما بعد 2016
خلال الأسابيع الماضية، تسارعت خطى دول مجلس التعاون الخليجي لإتمام إجراءات التزامها بتقديم منح مالية للأردن، من خلال صناديق لتمويل مشاريع بقيمة 5 مليارات دولار موزعة على خمس سنوات، بدءا من العام الحالي.
التسارع سببه أن الأردن أوفى باشتراطات الدول الخليجية المانحة، والمتمثلة في تقديم شهادة تقييم صندوق النقد الدولي لأداء الحكومات في الإصلاح الاقتصادي، وتحديدا في بندي الإيرادات والنفقات.
الأسلوب الذي تعاملت به دول المجلس مع المملكة جديد وغير مسبوق، خصوصا وأنها تعي تماما مخاطر خطوات الإصلاح التي تطلبها على الأمن والسلم عندما يتعلق الأمر برفع الأسعار.
ما يجعل هذه الدول قريبة من طريقة تفكير المؤسسات الدولية، مثل البنك والصندوق الدوليين، لاسيما أن الدول الخليجية ربطت تقديم المنح باتخاذ إجراءات تؤكد التزام المملكة بتوصيات صندوق النقد.
دول الخليج تتحدث هذه المرة بلغة مختلفة، فيها انقلاب على أسلوبها التاريخي في تقديم الأموال للمملكة.
وهذا ما تؤكده معلومات بأن السعودية لم تسلم قيمة المنحة المالية المدرجة في موازنة العام الحالي، والمقدرة بحوالي 700 مليون دينار، لأنها لم تتعهد بذلك لأي جهة رسمية محلية، بل نكتشف أن تقدير قيمة المنح إنما جاء نتيجة "المراهقة السياسية" لبعض مسؤولينا، ممن ظنوا أن استمرار تدفق المنح أمر مسلم به.
بعد اتخاذ قرار رفع أسعار المحروقات، لاحظنا أن ثلاث دول من أصل أربع، وهي الكويت والإمارات والسعودية، اختارت المشاريع التي ترغب في تمويلها، وما نزال بانتظار قطر.
المساعدات الخليجية ستستمر حتى نهاية العام 2016، ولا ندري عقب ذلك إن كانت هذه الدول تفكر في تجديد الاتفاق لخمس سنوات جديدة!
لكن، لنفترض جدلا أن تقديم منح بعد التاريخ السابق أمر غير وارد، ما يتطلب تفكيرا من نوع مختلف، بوضع خطة مدتها أربع سنوات تبدأ العام المقبل، وتهدف إلى البدء في تحقيق الاعتماد على الذات لمواجهة التحديات المستقبلية.
المنح المقررة ستمكن الاقتصاد من تجاوز السنوات الأربع المقبلة.
وهذه فرصة قد لا تتكرر، واستثمارها يتطلب برنامجا وآليات عمل مختلفة، تقوم على معالجة المشاكل الاقتصادية والمالية الأخرى، لنؤسس لمرحلة جديدة تختلف عن الماضي.
الفرصة ما تزال قائمة لإحداث فرق في بنية الاقتصاد، شريطة أن تُنفق الأموال في الأوجه المناسبة لإحداث التنمية المطلوبة.
وذلك متاح من خلال تغيير العقلية واستبدال آليات العمل؛ إذ تشير المعطيات الأولية إلى أن المشاريع التي ستمول غير قادرة على تحقيق التنمية."
المجرب لا يجرب" كما يقال.
وفي الماضي، أنفقت حكومات متعاقبة أموالا طائلة بلا طائل؛ إذ وجهت لمشاريع خدماتية، لكنها لم تسهم في إنشاء مشاريع إنتاجية مشغلة تجعل المجتمعات المحلية منتجة وغير معتمدة على المعونة الوطنية ووظائف البطالة المقنعة.
السؤال المهم: هل ستسهم المراكز الصحية والمستشفيات والطرق والبنية التحتية في إحداث الفرق المطلوب؟ وهل السبيل الذي اختارته الحكومات صحيح؟
وثمة سؤال أهم: هل سيأتي العام 2016 ونتأكد أن الأموال ذهبت في الاتجاه الصحيح والمطلوب؟
على الجهات الرسمية المتابعة لملف المنح الخليجية أن تقدم للرأي العام أهدافا محددة بالأرقام والنسب منذ اليوم، حتى يتمكّن الخبراء والمتابعون من تقييم الأثر بعد خمس سنوات، وتحديدا ما يتعلق بمعدلات الفقر، والبطالة، وخريطة الاستثمار، والمداخيل، وقدرة المحافظات على توليد فرص العمل؛ حتى لا نستفيق بعد أعوام ونكتشف أن الأموال ضاعت هدرا، وأن معدلات الفقر والبطالة في ازدياد.
الغد