ما الضمانة؟

ما الضمانة؟
الرابط المختصر

بالرغم من النتيجة النهائية الجيّدة في تقرير الأمن العام حول أحداث الجمعة الماضية، بتوصيته أن يتحمل جهاز الأمن العام بصفته الاعتبارية المسؤولية، وبالرغم –كذلك- من اعتذار مدير الأمن العام للصحافيين، إلاّ أنّ ذلك لا يكفي، طالما أنّنا لم نحصل على "ضمانات" حقيقية بألا تتكرر هذه الأحداث التي تركت ندوباً وجروحاً في قلوب المعتصمين والمواطنين الذين شاهدوا ذلك عبر الفضائيات، فضلاً عما لحق بصورة الوطن في عيون الداخل والخارج.

ما نخشاه أن يكون اعتذار الحكومة وتقرير الأمن العام وتصريحات مديره في سياق واحد، وهو الخروج من "المأزق السياسي" الذي وقعت به الحكومة بعد الأحداث، وطي الصفحة، من دون إعادة التفكير جذرياً في الأسباب التي أدت إلى ذلك.

صحيح أنّ هنالك مئات الفعاليات والمسيرات التي جرت خلال الأشهر الماضية، من دون أن تشهد اعتداءات أو انتهاكات، إلاّ أنّه صحيح أيضاً أنّ الاعتداءات تكررت في أكثر من مشهد، وبصورة فيها كثير من العنف والغضب ضد المعتصمين والإعلاميين، كما رأينا في أحداث ميدان جمال عبدالناصر (الداخلية) في 25 آذار (مارس)، وكذلك فيما سمي بمسيرة العودة.

هنالك، إذن، سوابق تؤكّد على وجود "تعبئة" خاطئة في الجهاز الأمني ضد المعتصمين الذين يطالبون بالإصلاح السياسي، واستسهال من قبل جهاز الدرك –على وجه الخصوص- لاستخدام العنف المفرط ضد المدنيين، بل انتشرت عبر "اليوتيوب" مشاهد احتفال الدرك بقمع اعتصام ميدان جمال عبدالناصر، وكأنّ المعتصمين هم "أعداء للوطن" وخصوم للدولة، وليسوا مواطنين من واجب الأمن والدرك حمايتهم وصون حقوقهم وكرامتهم!

من هذا المستوى في القراءة؛ نعود لتصريحات وزير الداخلية مازن الساكت (التي صوّبها، لاحقاً، باعتبارها تحليلاً سياسياً، وليست موقفاً رسمياً) ورئيس الوزراء أمام مجلس الأعيان. فهذه التصريحات تتحدث عن معركة سياسية وطنية، وليس اختلافاً طبيعياً مع المعارضة، وكأنّنا نخوض حرباً للدفاع عن الوطن!

الجمع بين تلك التصريحات والعنف الأمني ضد المعتصمين يضعنا أمام الحجر الأساس الذي يؤدي إلى التوتر الأمني (الذي تحدّث عنه الوزير نفسه) و"فجوة الثقة" من المعارضة بالدولة، وما ينتج عن ذلك من أحداث عنف، هذا السبب هو "ركود العقل الرسمي"، الذي ما يزال أسيراً لمرحلة "ما قبل الثورات الديمقراطية العربية"، وتغول "المنظور الأمني" على إدارة الدولة للشأن العام، وفي رؤيتها للاعتصامات وسلوك المعارضة وقراءة التصريحات المختلفة.

"العقلية الرسمية"، على هذه الحالة، لن تتمكن من إقناع الناس بمسار الإصلاح السياسي وبجدّية الدولة، طالما أنّ ما تعلنه الدولة في الصباح من "نوايا" و"لجان" باتجاه الإصلاحات، تمحوه في منتصف النهار ممارساتها على الأرض من جهة، فيما يقوم "المنظور الأمني" بتحجيم المخرجات لتتناسب مع "القيود التقليدية" التي ما يزال يحتكم إليها في "السقف" المطلوب للإصلاح.

ما تحدّث به الساكت من اتهامات للمعارضة وسيناريو "فنتازي" لإسقاط الحكم في الأردن، لم يكن "تحليلاً سياسياً" (كما برّر لاحقاً)، بل هو "معلومات مضلّلة" وصلت إلى الحكومة، وحكمت رؤيتها للاعتصام ولـ"نوايا المعارضة"، وهذا النوع من المعلومات يخضع لمنطق التأويل والتلوين من "العقلية الرسمية" التي ما تزال أسيرة مرحلة ما قبل الثورات الديمقراطية العربية، وليست المسألة معلومات خام محايدة من الواقع، كما يفترض.

عدم تكرار الاعتداءات والانتقال بنا من أزمة إلى أخرى والدخول في حرب استنزاف، بلا سبب، بحاجة إلى ضمانة أساسية تتمثل في تغيير العقلية الرسمية لتؤمن بأنّ التغيير والإصلاح البنيوي الحقيقي في صالح الوطن، وأن بقاء الوضع الراهن مضر بالدولة قبل المجتمع.

الغد