ما الذي سيحسم؟

ما الذي سيحسم؟
الرابط المختصر

تنظر أوساط المعارضة والحراك إلى ما يحدث من احتجاجات ومسيرات واشتباكات بأنّه نقطة تحول في المعادلة القائمة، تقتضي تغيير المسار الرسمي الراهن، فماذا عن الأوساط الرسمية كيف تعرّف ما يحدث وما يترتب عليه؟..

من الواضح أنّ حجم التداعيات ومستواها الكبير صدم المسؤولين، فالتجمعات بدأت حتى قبل أن ينهي رئيس الوزراء مرافعته عن رفع الأسعار، وتطوّرت حتى أخذت أشكالاً مختلفة، وشملت مختلف محافظات المملكة، فاشتغلت الماكنة الرسمية بمختلف الأدوات والأساليب على امتصاص تلك الصدمة، وحرّكت الإعلام والسياسيين والوجهاء لاحتواء ردود الفعل الشعبية، وإيقاف الشغب والاعتداء على الممتلكات العامة، سواء عبر تغليظ ردود الفعل الأمنية أو التركيز في الرواية الرسمية على "عامل الخوف" من الفوضى، أو بتشكيل ما سمي بـ"لجان شعبية" في محافظات عدة، لحماية الممتلكات العامة، برعاية من الحكام الإداريين (بالمناسبة بالرغم من النجاح المحدود لهذه الفكرة في بعض المدن مثل السلط، إلاّ أنّها بحد ذاتها ذات إيحاء سلبي تماماً!).

في الأثناء كانت هنالك مراقبة تامة ومستمرة للتفاصيل كافة الواردة من "الميدان"، لقياس مستوى الصعود والهبوط ورصد التطورات أولاً بأول، فيما يشي الخطاب الصادر عبر الإعلام وما يتداوله المسؤولون من آراء بأنّنا أمام توجهات متباينة في مؤسسات القرار؛ الاتجاه الأول فيها يصرّ على عدم التراجع عن القرار، ويخفّض من شأن التداعيات بوصفها مزجا ما بين أجندات سياسية وشخصية وفرصة للعاطلين عن العمل والغوغائيين.

يرى هذا الاتجاه أنّ التراجع عن القرار كارثة سياسية واقتصادية على السواء، ولا بد من التعامل مع الاحتجاجات ضمن مفهوم "إدارة الأزمة"، كما هي الحال في الدول الأخرى، بلجيكيا، فرنسا، إيطاليا وإسبانيا.

ويراهن هذا الاتجاه على أنّ منسوب الاحتجاجات سيتراجع مع مرور الوقت، وسيبدأ الأمر بالتحول بعد أن يبدأ الموظفون والمواطنون بتلقي الدعم النقدي البديل، وندخل في هذه العملية.في المقابل، يقف اتجاه داخل المؤسسات الرسمية مع التراجع عن القرار وتأجيله إلى ما بعد الانتخابات النيابية، وصولاً إلى حكومة برلمانية تقوم باتخاذه، وتتحمل مسؤوليته، ولا تدفع الدولة رمزياً فاتورته السياسية، ويجادل هذا الاتجاه (الذي كان يرفض قرار الرفع) بأنّ الاحتجاجات خطرة، وبأنّ ما وقع إلى الآن من خسائر سياسية ورمزية ومعنوية يفوق كثيراً الخسائر الاقتصادية.

الاتجاه الأول لا يملك جواباً عن خطورة التداعيات السياسية، بينما الاتجاه الثاني لا يملك جواباً عن خطورة التداعيات الاقتصادية.

يأتي ذلك في ظل معطيات مقلقة من تراجع الأمل بالمساعدات الخليجية الشقيقة الموعودة، وحتى التضييق في صرف المساعدات الممنوحة أصلاً للأردن، ما يحول دون أن تساهم في حل أزمة السيولة الخانقة حالياً لشراء المحروقات وللرواتب الجارية.

ضمن ما نقرأه من تصريحات بأنّ القرار إلى اليوم بعدم العودة عن قرار رفع المحروقات إلاّ إذا فرضت التطورات الميدانية شروطاً جديدة، فعلى ما يبدو ستكون الأيام الحالية حاسمة، سواء على صعيد الانتشار الجغرافي، والديمغرافي، وأعمال الشغب والاشتباكات الخطرة، والإضرابات المهنية والعمّالية، فهذه هي التي ستحدّد فيما إذا كنا أمام نقطة تحول في المسار الراهن!في خضم هذه الأزمة لا نكاد نسمع صوتاً مرتفعاً واضحاً في نقاشات الأروقة الرسمية يعيدنا إلى المربع الصحيح للنقاش، بأنّ القصة ليست قرار رفع المحروقات ولا أزمة مالية، هي في الأساس أزمة سياسية بامتياز، وثقب أسود متنامٍ بين الدولة والمجتمع، وفقدان العملية السياسية شرعيتها التي تمنح الحكومة الحق باتخاذ قرارات مصيرية ومهمة.

هذا الصوت المحدود هو المطلوب اليوم ليعيد توجيه قراءة الدولة لما يحدث.

الغد