ماذا حدث؟!
p dir=rtlفي خلفية الاحتفال الرسمي، بما تعتبره الحكومة نجاحاً في الحصول على شهادات دولية بنزاهة الانتخابات ونسبة اقتراع معقولة، فإنّ هنالك تفكيراً أكثر جدّية في ظواهر ومؤشرات مقلقة حملها المشهد الانتخابي الأخير، والتحضير لدراسة أكثر عمقاً وتحليلاً يستفيد منها مطبخ القرار في قراءة التحولات الجارية والاستراتيجيات المطلوبة./p
p dir=rtlالمؤشر الأول المقلق، الذي بدأ يستحوذ على نقاش المسؤولين خلف الستارة، هو عزوف الأردنيين من أصل فلسطيني في المدن الكبرى، عن التصويت والاقتراع، وهو ما انعكس على النسبة المنخفضة في تمثيلهم إذ تقدِّرها أوساط رسمية بـ12 %، ما يعني أن التصويت كان محدوداً جداً./p
p dir=rtlبعض التفسيرات الرسمية الأولية تمتاز بطابع سطحي، فيما تذهب القراءة الرئيسة إلى ربط ذلك بمقاطعة جماعة الإخوان المسلمين، وعدم وجود بدائل وخيارات سياسية أخرى مقنعة لدى مجتمع يمتاز بقدر كبير من التسييس (مع التذكير أن قرابة 14 نائباً إخوانياً في انتخابات 2003 كانوا من أصول فلسطينية)./p
p dir=rtlتلك القراءة منطقية ومتماسكة إلى درجة كبيرة، لكنها تحتاج أيضاً إلى قراءات أخرى لا تقل أهمية تتمثل بخيبة الأمل والإحباط العامة، وأيضاً المنطقة الرمادية التي يجد الأردني من أصل فلسطيني نفسه فيها مع الدولة، فهو لا يعرف ماذا تريد الدولة منه؟! فتارة يراد له أن يكون مواطناً صالحاً يقوم بكافة واجباته ويدفع ضرائبه، لكنه في المقابل يخشى من سحب رقمه الوطني عندما يريد تجديد هويته أو جواز سفره أو القيام بإجراءات أخرى./p
p dir=rtlمع ما تثيره هذه القضايا من حساسيات وأسئلة كبرى لا نجد هنالك حوارا مباشرا وعقلانيا وتوافقا تقوده الدولة على المعادلة الذهبية التي توازن بين سؤال المواطنة وحق العودة والهوية السياسية للدولة!/p
p dir=rtlالمنطقة الرمادية، بالمناسبة، تفسِّر أيضاً مشهد العنف والاحتجاج الذي تفجّر في يوم الانتخابات وما يزال جارياً، من الأردنيين (من أصول أردنية)، وقبل ذلك في رداءة الخطاب السياسي الذي تغلّف بالعصبويات العشائرية الضيقة، وابتعد تماماً عن أي طرح سياسي منطقي./p
p dir=rtlفالأردني (من أصول أردنية) لا يعرف هو الآخر ماذا تريد الدولة منه؟! فهي في بعض خطاباتها تنتقد العنف الاجتماعي الذي تفجّر، وترفض نمو الهويات الفرعية وتتهم شريحة واسعة بالكسل وانتظار الوظيفة الرسمية وتطالبهم بإدراك مفهوم المواطنة ودولة القانون والمساواة باعتبارها القيم العليا، وفي نهاية اليوم تعود الدولة بقانون انتخاب يعزز هذه الانتماءات على حساب الهوية الوطنية الجامعة ويجسِّد الهويات الفرعية ويقسّي الطموح بولادة حياة حزبية، ومن ثم يصبح المشهد الانتخابي تنافساً عشائرياً!/p
p dir=rtlالحكومة ترفض تفسير الاحتجاج العنيف بقانون الانتخاب الحالي ودوائره الفرعية، معللة أنّ العنف هو سابق على قانون الانتخاب، كما يذهب التفسير الرسمي إلى اختزال ما نراه من احتجاجات بغضب المرشحين الخاسرين. لكن ما لا يمكن القفز عنه أن انفجار ظاهرة العنف الاجتماعي، بما تعكسه من أزمة دولة ومجتمع وقيم (بتعريف المجلس الاقتصادي الاجتماعي) كان يفترض أن تكون الانتخابات والعودة إلى الحياة النيابية مفتاحاً للخروج من الأزمة واستعادة المبادرة السياسية لكبح جماح التمرد المتنامي على قواعد الشرعية، بدلاً من ذلك أصبحت الانتخابات مناسبةً لتعزيز هذه الانشطارات الاجتماعية، ومنحها الشرعية!/p
ما بين احتجاج صامت- رمزي مارسته شريحة واسعة من المجتمع بعزوفها عن التصويت، واحتجاج عنيف ولدته أسئلة معقدة من علاقة الشريحة الأخرى بالدولة، فإنّ قراءة ما حدث في المشهد الانتخابي تستدعي الاعتراف أولاً بحجم الأزمة السياسية وعمقها، وهي الخطوة الأولى في التفكير باستعادة المبادرة وإحداث فرق نوعي في المسار الحالي!
span style=color: #ff0000;الغد/span