ماذا بعد ماراثون تشكيل "الحكومة البرلمانية" ومنح الثقة وإقرار الموازنة؟

ماذا بعد ماراثون تشكيل "الحكومة البرلمانية" ومنح الثقة وإقرار الموازنة؟
الرابط المختصر

ثمة إعجاب خارجي وداخلي متنام بالعبور الآمن للربيع الأردني، بعد أكثر من عامين على بدء احتجاجات سياسية ومجتمعية توافقت شعاراتها حول مكافحة كل من الفساد، والفقر، والبطالة؛ واختلفت حول حدود الإصلاح السياسي والاقتصادي.

بالطبع، تتكئ هذه المقاربة إلى ما آلت إليه الأوضاع السياسية في تونس ومصر؛ حيث استبدلت دكتاتورية الحزب الواحد بأوتوقراطية دينية، بينما تنزف سورية تحت وطأة حرب أهلية طاحنة. كما تمر ليبيا واليمن بمخاض تحول ديمقراطي، وسط مساع لبناء توافق وطني.

ويواجه البحرين والكويت تحدي احتواء مكونات رئيسة في المجتمع بأقل تكاليف سياسية ممكنة على النظامين هناك.

اليوم، يستطيع المسؤولون -حال أردنيين شاركوا في العرس الديمقراطي الأخير الذي أفرز مجلسا جديدا وإن كان لا يختلف كثيرا عن سابقيه- التغني بعديد "إنجازات"؛ تحرير أسعار المشتقات النفطية، محاكمة وجوه "منتقاة" في ملفات الفساد، تنظيم انتخابات عُدّت نزيهة برأي مراقبين غربيين وبإشراف هيئة مستقلة بدون اضطرابات داخلية تذكر.

وواكب ذلك زيادة تمثيل المرأة والأردنيين من أصول فلسطينية، وخطاب عرش إصلاحي جريء ؛ وبدء القصر رحلة البحث عن رئيس وزراء جديد تقترحه الكتل النيابية، بخلاف أسلوب "الصدمة" الذي كان يفاجئ الأردنيين باسم رئيس وزرائهم الجديد وتوقيت إزاحة سلفه.

وبالطبع، استغل حاملو هذه الآراء الانقسام المجتمعي حول الديموغرافيا والجغرافيا، وخشية الأردنيين من تغييرات جراحية قد تقودهم إلى المجهول، كما حصل في دول عربية أخرى. يعزز هذه المعادلة، دعم الغرب لإنجازات الأردن الأخيرة، وبدء تدفق منح خارجية وقروض لدعم حجج هؤلاء المسؤولين.

ويحق لهم ذلك في غياب خطط بديلة تؤطر لإصلاحات شاملة وآمنة، بعد نجاح الدولة في احتواء "الحراك المحافظاتي" على وقع ضعف تأثير القوى والشخصيات التاريخية والأحزاب القومية واليسارية، وقرار التيار الإسلامي البقاء في الشارع بانتظار الوجبة الثانية من قرارات رفع الأسعار، لتحريك الحواس عبر اللعب على أوتار لقمة الخبز والفساد.

في الوقت ذاته، تتساءل الجهات الخارجية والداخلية التي توزع الإطراء شمالا ويمينا، عمّا تسميه بـ"ثورة الأردن البيضاء" التي هبطت من الرأس إلى القاعدة، وما إذا كانت الدولة ستكتفي بعد قطف ثمار عملية التغيير الشكلية، التي وفرّت لها فسحة وقت للتعامل مع التحديات المصيرية الداخلية والخارجية، أم انها ستتحلى بروح المبادرة والإقدام، وتستغل الوقت المتاح، لوضع مداميك عملية إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي يوفر للبلاد والعباد الأمن والاستقرار على المديين المتوسط والطويل؟

قريبا، سيدخل الأردن فصل الربيع، فيذوب الثلج، ويظهر ما تحته غداة طي موسم الماراثون البرلماني؛ مشاورات "استنساخ" رئيس وزراء جديد، وتشكيل حكومة ربما ستكون انتقالية غير نيابية ببرامج فضفاضة، على الأرجح برئاسة رئيس الوزراء الحالي عبدالله النسور.

فالرئيس أثبت قدرة فائقة على التعامل بميكيافيلية سياسية مع كل التحديات التي واجهته خلال الأشهر الماضية، جعلته سياسيا صالحا لكل زمان ومكان.

تواكب ذلك مراسيم المباركة في دار رئاسة الوزراء، وإعادة تشكيل مجلس الأعيان غالبا برئاسة طاهر المصري للمرة الثانية، ثم جلسات الثقة البرلمانية وماراثون إقرار موازنة 2013، واستقبال ووداع بعثة صندوق النقد الدولي، والاستعداد لزيارة الرئيس الأميركي باراك أوباما ووداعه.

وقد تتحقق نبوءة المشككين -وهم كثر- بمن فيهم مقاطعو الانتخابات التشريعية! فمن يسمون برجالات "الحرس القديم" ما يزالون يمسكون بمفاصل صنع القرار، في إطار عملية تجميل ألقت الكرة في ملعب الجميع، بدون منح اللاعبين فرصة الاستعداد للتعامل مع مباراة  "كرة الديمقراطية المبرمجة".

ستتعرض الكتل النيابية لامتحانات متلاحقة، تكشف قدرتها على التحمل؛ وأيضا تغيير النظام الداخلي لمجلس النواب، بشكل يمأسس الكتل وآليات العمل، بما في ذلك إدارة القرار بشأن مشاورات اختيار الحكومة بعد التعلم من مخاض التجربة الحالية.

وسيحين موعد فتح ملفات الفساد العالقة، وتطبيق وجبة رفع الأسعار الثانية، وستظهر نتائج عمل لجان فحص مشاريع التخاصية، ووضع منظومة الشفافية والنزاهة.

وستتكشف أيضا مساوئ الاعتماد على سياسات اقتصادية تستهدف شراء الشعبية، وليس الإنتاجية الحقيقية والاستثمار في البنى التحتية لاستقطاب الاستثمار الخارجي، وخلق الوظائف لاستيعاب 100 ألف شاب وشابة يدخلون سوق العمل سنويا!

كما ستظهر قدرة الحكومة التى جاءت من رحم مشاورات برلمانية، على استعادة الولاية  العامة، وبدء عملية فصل السلطات، وتحديد دور الأجهزة الأمنية والعسكرية في العملية السياسية والاقتصادية!

وتتوالى الأسئلة: كيف سنتعامل مع عجز الموازنة، والسياسات المالية، والدين الداخلي، والتمويل العام، ومواءمة بند الإيرادات مع النفقات؟

ما هي انعكاسات خطة الحكومة المالية، بما في ذلك وقف التوظيف في القطاع العام ووضع حوافز للقطاع الخاص، كمحرك للنمو الاقتصادي المستدام، وجذب الاستثمارات، وتفعيل صناديق تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة والتخلص التدريجي من جيش العمالة الوافدة؟

كيف سنتعامل مع تحدي التخلص التدريجي من المحاصصة السياسية، ومن اقتصاد الريع؟ وكيف سنتصرف عندما تتغير المعطيات في مصر وتونس وسورية، وعلى الجبهتين الإسرائيلية والإيرانية؟

من باب التحوط لما ستحمله الأشهر المقبلة من مفاجآت، قد يفيد تفادي خطوط الألغام المتداخلة، من خلال التركيز على أسس عملية التحول السياسي والاقتصادي والاجتماعي المطلوب لوضع الأردن على سكة الإصلاح الملكي الموعود، وضمان عدم تغير خريطة الطريق صوب أردن جديد؛ فالتحدي الأساسي اقتصادي، وليس سياسيا.

حتى لا نعيد اختراع العجلة، لماذا لا تزيح الحكومة المقبلة الغبار عن الأجندة الوطنية التي دفنت العام 2007، بعد أشهر من إقرارها ضمن عملية توافقية، شارك فيها ما يزيد على 300 شخصية أردنية تمثّل ألوان الطيف السياسي، والاجتماعي، والاقتصادي؟

ولماذا لا تشكّل الحكومة لجنة لدراسة محاور الأجندة الوطنية الثمانية، وتقترح التعديلات اللازمة لتتواءم مع الواقع المحلي، والعربي، والدولي؟

في الأثناء، تعكف الحكومة الجديدة على تقديم مشروع قانون انتخاب توافقي، بصفة الاستعجال، لإقراره في مجلس النواب. فمثل هذا القانون يبقى الامتحان الحاسم لنوايا الإصلاح السياسي، وفرصة لتشجيع القوى السياسية والمجتمعية المقاطعة لعملية الإصلاح السياسي على الانخراط في عملية سياسية واضحة المعالم والأهداف.

بعد إنجاز قانون الانتخاب، يكون الأردن الرسمي قد طوى ملف الخلافات السياسية، وحضّر الأرضية لإطلاق برامج إصلاح اقتصادية واجتماعية من وحي الأجندة الوطنية المعدّلة، وبوجود حكومة تحظى بولاية عامة لها موازنة واضحة، تخضع للمساءلة والمراقبة، وتستمر طيلة عمر مجلس النواب.

وفي حال اضطر الملك إلى حل المجلس النيابي قبل انتهاء مدته الدستورية، سيكون لديه سلاح فاعل لضمان عملية إصلاح سياسي توافقي.

الإصلاح الشامل يتطلب التحرك على مسارات متلازمة، وكما يتطلب سنوات من التضحية، وتغيير ثقافة سياسية ومجتمعية، وخلق بدائل اقتصادية وأطر قانونية تؤسس لدولة عصرية قائمة على المواطنة والحاكمية الرشيدة.

فلنعطِ الأمل للأجيال المقبلة؟

الغد