لنمنح الحياة لمواثيق الشرف الصحفي في الأردن

لنمنح الحياة لمواثيق الشرف الصحفي في الأردن
الرابط المختصر

الإعلام الليبرالي المهني يضع بنفسه قواعد أخلاقية أو تنظيم ذاتي مهني يتعهد من خلاله للجمهور أن يكون أمينا ودقيقا وموضوعيا ونزيها في نقل المعلومات والحقائق، والأهم من ذلك أنه بهذه المدونة يخرج نفسه من الرقابة الذاتية ويلتزم بهذه المدونات طوعا.

ولابد من التذكير أن المواثيق الأخلاقية ومدونات السلوك هي جزء من عملية تنظيم يقوم بها الإعلامي بشكل ذاتي وطوعي، ولها العديد من المميزات الايجابية، فمن المفترض أن تحول دون صدور القوانين الملزمة والسلطوية، فمن شروط نجاح أية مبادرة تهدف إلى تعزيز أخلاقيات العمل الإعلامي والصحفي العمل الجاد لخلق بيئة إعلامية وصحفية تسمح لمدونات السلوك أن تعيش في نفوس الإعلاميين والصحفيين لتنعكس على أدائهم المهني، لا أن تموت على الورق الذي خطت عليه.

 ولعل المتتبع لتاريخ نشأة مصطلح (أخلاقيات الصحافة والإعلام ومدونات السلوك أو مواثيق الشرف الصحفي) سيكتشف أن الهدف الأساس منها هو الحيلولة دون قيام السلطة التنفيذية بسن قوانين تحكم عمل الصحافة والإعلام، كي لا يؤدي ذلك إلى الحد من حرية التعبير والإضرار بها، فالميثاق أو المدونة يعتبر مظهرا من مظاهر الليبرالية الصحفية والإعلامية، لذا فإن البيئة الإعلامية الحقيقة المناسبة لمدونات السلوك هي التي لا تحتوي على قوانين الصحافة والإعلام السلطوية التي تحاكم الصحفيين والإعلاميين في قضايا الرأي والتعبير.

ولقد وجدت مدونات ومواثيق الشرف الإعلامي والصحفي في الأساس لتعمل على تطوير مهنية الإعلاميين والصحفيين ذاتيا، لكن الحالة الموجودة معظم الدول العربية ومنها الأردن عملت على الجمع بين قوانين الصحافة والإعلام ومدونات ومواثيق الشرف الصحفي والإعلامي. ونصت قوانين الصحافة على إلزامية مواثيق الشرف الصحفي الصادرة عن نقابات الصحفيين هناك، كما ألزمت المواثيق الصحفيين والإعلاميين بتلك القوانين وبهذا أصبحت المدونات والمواثيق في بعض الدول العربية قوانين إضافية.

ولقد توصل الباحثون المختصون بشؤون الإعلام إلى حقيقة مفادها أن أخلاقيات الصحافة والإعلام والمدونات الأخلاقية أو مواثيق الشرف لا يمكن أن تنمو إلا في مناخ من الليبرالية، أما إذا لم تتوافر للصحفي حرية الاختيار واتخاذ القرار، فانه حتى لو وجد ميثاق أخلاقي، فانه لا تكون له أية قيمة حقيقية في تشكيل عمل الصحفيين والإعلاميين أو أدائهم ولن يكون في قدرتهم أن يطبقوه في ظل وجود قوانين ذات صبغة سلطوية. ولهذا لابد من العمل على إيجاد توازن بين قوانين الإعلام وأخلاقيات الإعلام، وإلغاء الكثير من النصوص القانونية المقيدة للحرية، كي يمكن تطوير أخلاقيات ومدونات الصحافة والإعلام.

ولو أخذنا التجربة الفرنسية باعتبار فرنسا دولة عريقة في مجال الحريات الإعلامية والصحفية فقد "استنكف" الفرنسيون عن تداول مصطلح "قانون" في الصحافة، بسبب وجود مصطلح القانون المدني وقانون العقوبات، مفضلين استخدام مصطلح "ميثاق " لأن هذا المصطلح يعني لائحة حقوق، وليس واجبات غالبا ما يتفضل بها حاكم. وهذا الحال يسري على العديد من الدول التي تتمتع بأنظمة ليبرالية كالنرويج والسويد وجنوب أفريقيا واليابان وتركيا وفرنسا، حيث أنها تتعامل مع "ميثاق الشرف الصحفي" أو "مدونة السلوك" أو "المنهج السلوكي" أو "قواعد السلوك الحسن" أو "المرشد في الانضباط المهني" أو "إعلان المبادئ" والتي تصب جميعها في ذات المعنى الذي يحمله مصطلح ميثاق الشرف الصحفي.

كما أنه على الرغم من وجود بعض التنافس بين القانون والميثاق إلا أنهما "متمايزان" عن بعضهما البعض ومن الأجدى أن يبقيا كذلك لأن اللجوء للقوانين في الصحافة والإعلام يتضمن العديد من الأخطار ويمكن أن يستخدم القانون بشكل مغاير من قبل السلطة الحاكمة.

في المحصلة فان المدونة أو الميثاق الحقيقي يجب أن يؤكد على الطوعية في تبني وتطبيق البنود التي يجب أن تؤكد على النزاهة والدقة والموضوعية واحترام الحياة الخاصة للأفراد وعدم التلاعب بالحقائق، وعدم التعامل مع أجهزة الأمن والمخابرات، والتأكيد على الحريات، ومن الجيد تشكيل مجلس خاص مكون من إعلاميين مؤهلين يرصد المخالفات ويعالجها دون إصدار العقوبات بحق الصحفيين إنما تأهيل من يخطئون، ومطالبة وسائل الإعلام التي تخترق الأخلاقيات أن تعتذر للجمهور عن الأخطاء الأخلاقية للعاملين لديها، أي بمعنى آخر أن نجد "امبودسمان اردني" على غرار "امبودسمان السويد" وهذا ليس بالأمر الصعب إذا توفرت الإرادة الحقيقية للنضال من أجل حرية الصحافة والإعلام في الأردن، وإلغاء القوانين المقيدة لحرية الإعلام أو تعديلها على أقل تقدير.