لماذا نحارب أنفسنا؟
غابت شمس المرجعية الإسلامي (وليس فقط الشيعي) حسين فضل الله، لكن صيته وعلمه وفكره، كلّ ذلك سيبقى "عملاً نافعا" من بعده.
فضل الله ليس عالما وقياديا وطنيا ملتزما بقضايا الأمة فحسب، بل هو "شخصية استثنائية"، امتلك الجرأة حتى في الخروج على "القفص الحديدي" للمذهب والطائفة، فقام بمراجعات نقدية جريئة، خلقت له مشكلات وأزمات عديدة مع قاعدته الشعبية والحزبية. ومع ذلك بقي الرجل يحظى باحترام الجميع، وتقديرهم، ولم يتمكن حتى خصومه من انتزاع هيبة الشيخ ووقاره.
فوق ذلك، فإن فضل الله هو عَلامة مسجّلة للبنان الدولة والمجتمع، وعنوان آخر من تميّز هذا البلد الصغير المبتلى بالحروب والأزمات والكوارث، وقدرته على إنتاج رموز ونجوم وأعلام في شتى المجالات، فكريا، سياسيا، فنيا، ثقافيا، دينيا، وإعلاميا.
لك أن تختار أيّ مجال وتحاول الأسماء اللامعة لبنانيا فيه، ما لا يدع مجالاً للشك أنّنا أمام بلد منتج للرموز. حتى على مستوى التجارة أصبحت المطاعم اللبنانية ماركة مسجلة لأكلات متخصصة، ليس فقط عربيا، بل حتى عالميا.
هنا، في الأردن، نمتلك علامة مسجّلة مناقضة تماما للحالة اللبنانية وتتمثل في أنّنا "محترفون" في حرق الرموز وإفشال أي محاولة لخروج نجم أردني ساطع في سماء الفكر أو الإعلام أو الأدب أو الثقافة، وهو سؤال برسم الإجابة: لماذا فشلنا؟!
هل نحن فعلاً نعاني من "نقص ذاتي" في الإبداع والتميّز، فلا يوجد أردني مبدع في مجال من المجالات أم أنّ هنالك مشكلة في "البيئة الحاضنة" للإبداع التي تهيئ الظروف المناسبة للإنجاز والاستمرار والتحليق؟!
المفارقة أنّنا، بالفعل، يمكن أن نعدّ جملة كبيرة من الأسماء والشخصيات التي كانت مرشّحة أو تحتل مؤقتا مكانا رمزيا في مجال من المجالات، لكنها سرعان ما احترقت وذوت بسرعة البرق، بل يمكن الزعم أنّ لدينا خامات وطاقات في مجالات متعددة، فنيا، إعلاميا، رياضيا، علميا، سياسيا، يمكن أن تشكل حالة ليس فقط أردنية، بل عربية، لكنها انتهت إما إلى الانطواء أو الاغتراب خارج الوطن أو في داخله، أو إلى حالة مأساوية.
الدراما الأردنية كانت في يوم من الأيام في مقدمة الدراما العربية، وبرزت أسماء تميّزت عربيا، ثم سرعان ما قضينا على هذا الإنجاز!
إعلاميا، كنا أول من فكر بالمدينة الإعلامية وتنبّه إلى أهمية الإعلام، لكن سرعان ما تخلينا على هذه الفكرة وانقلبنا على الحرية الإعلامية.
فكريا، لدينا أسماء باسقة، لكنها تعاني من الإنكار والإهمال والتجاهل المحلي، يكفي فهمي جدعان، وعلي محافظة، وهكذا في مختلف المجالات نحتفل بقتل الإنجاز!
الدولة لا تريد رموزاً مستقلة، ولم تعد تستطيع إنتاج رموز رسمية، ولا تريد فتح المجال لرموز خارج منظومتها. أمّا الحاضنة الاجتماعية فهي غير ناضجة لإدراك أهمية بناء "الرموز" وتوفير الروافع الصلبة لها، بينما المؤسسات المتعددة غير معنية ببناء هذه الحالة.
لدينا بيئة معادية للإبداع ولإنتاج القيادات والرموز، ليس فقط سياسيا، بل في مختلف المجالات، وفي الحقيقة ما أزال لا أفهم: لماذا نحارب أنفسنا؟!