لماذا لم تتغيّر الصورة؟!

لماذا لم تتغيّر الصورة؟!
الرابط المختصر

في استطلاع الرأي الأخير لمركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية أظهر ثلثا العينة الوطنية عدم شعورهم بأي تأثير إيجابي أو سلبي جراء حل مجلس النواب السابق. ما يعني أنّ "الصورة السلبية" لدى أغلبية الرأي العام الأردني عن المجلس بقيت على حالها، ولم تغيّر الانتخابات الأخيرة ذلك.

بلا شك، لا يمكن تحميل المجلس الحالي مسؤولية هذه الصورة التراكمية، فهي نتاج إخفاقات طويلة، وبالدرجة الرئيسة قانون انتخاب معوّق أعاق وشلّ الحياة السياسية ومخرجات الانتخابات النيابية، وأخيراً تلاعب مباشر وغير مباشر من قبل السلطة التنفيذية في الانتخابات النيابية أثار لأول مرة في تاريخ البلاد أسئلة حقيقية حول شرعية هذه المؤسسة الحيوية.

مع ذلك، فإنّ المجلس الحالي سيكون له دور أساسي، إمّا في تكريس تلك الصورة النمطية أو تحسينها أو تغييرها، وهي مهمة صعبة جداً، لأنّ مدخلات المجلس نفسها لا تؤهل للقيام بهذا العبء التاريخي. إنقاذ صورة مجلس النواب وإعادة رفع موقعه لدى الرأي العام، كل ذلك بمثابة مصلحة استراتيجية لصورة الدولة نفسها، وحماية سمعة مؤسساتها الدستورية من التدهور أو التراجع، وذلك يقترن بدرجة أساسية بـ "اللحظة الراهنة" من أداء المجلس، فإذا خسرها، فسيعاني أشد مما عانى المجلس السابق من مواجهة مع الإعلام والرأي العام، والتشكيك بدوره وحضوره.

الخطابات التي سمعناها من النواب في مناقشات الثقة لا ترقى إلى المستوى المطلوب، لكنها عموماً جيّدة، وأفضل مما توقعنا، إنّما لا تكفي، بل مردودها سيكون سلبياً إذا ما حازت الحكومة على أكثر من مائة صوت، فسيتشكل الانطباع لدى الرأي العام بأنّها فقط للاستهلاك الإعلامي والشعبوي، أمّا الصفقات الحقيقية فتدور في "الجلسات الجانبية" في ردهات مجلس الأمة.

بالطبع، ليس مطلوباً من الحكومة أن تتوسل من أعضاء مجلس النواب حجب الثقة عنها، فهذا يناقض طبائع السياسة، ومن حق أي رئيس وزراء أن يسعى لتسجيل رقم قياسي في "الثقة البرلمانية"، لكن المطلوب من المجلس نفسه وكتله المتعددة أن يحموا سمعة هذه المؤسسة وحرمتها، وأن يكونوا على مستوى اللحظة الراهنة.

بعض الأصدقاء يخرج علينا بـ"نظرية جديدة" في السياسة الأردنية، فحواها أنّ منح الثقة أو حجبها ليس أمراً مهماً، طالما أنّ الحكومة قد ضمنتها منذ البداية. وللأمانة، شخصياً، لأول مرة أسمع بهذه المحاججة، وهي بالتأكيد ليست صحيحة ولا دقيقة، فوجود المعارضة البرلمانية مطلب والاختلاف مع الحكومة والمشاكسة ضرورة، حتى من الأقلية، ومنح الثقة سلاح مهم بيد النواب، لا يجوز التخلي عنه منذ اليوم الأول!

جزء كبير من المسؤولية يقع على كاهل رئيس مجلس النواب، فهو بمثابة ميزان حرارة بين السلطتين، ولديه قدرة على قراءة التوازنات والمعادلات وتوصيل الرسائل بذكاء للسادة النواب.

ولعل الرئيس أخطأ في مداخلته الاحتجاجية على طرح موضوع "نقابة المعلمين" ومطالبة النواب بالكف عن هذا المطلب "غير الدستوري"، وهذا بالضرورة ليس من وظيفة الرئيس، ولا دوره، بل حتى طرح تعديل مواد في الدستور هو من صلاحية مجلس النواب، وليس أمراً محرّماً، بل له قنواته التي حدّدها الدستور نفسه.

يعزز هذا الدور المطلوب من المجلس الرأي الوجيه الذي استمعنا إليه قبل يومين من رئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة، وهو يطالب بإلغاء كل التعديلات التي جرت على دستور العام 1952، وهو طرح جريء وحري بالنقاش الوطني، لتطوير المعادلة السياسية.

الغد