لماذا تركتم النسور يتورط؟
رئيس الوزراء عبدالله النسور، في موقف لا يحسد عليه اليوم، وحكومته مهددة بالسقوط في البرلمان؛ ليس بسبب مذكرة حجب الثقة فقط، بل لأن النسور تلقى أول من أمس إشارة ملكية بعدم توزير النواب في هذه المرحلة.
رئيس الوزراء بنى خطته لنيل ثقة مجلس النواب على فكرة توزير النواب.
كان هذا خطأ جسيما، والأغلبية من النخب السياسية والإعلامية خالفته الرأي.
لكن وللإنصاف، فإن الرجل لم يخفِ الأمر؛ بل كان واضحا منذ البداية، وأعلن ذلك في رده على مناقشات النواب تحت القبة، وصرح به بعيد تشكيل الحكومة، لا بل إنه تعهد به خطيا في رده على كتاب التكليف السامي.
راجعوا رد النسور على كتاب التكليف، فهو يتضمن نصا صريحا "يستأذن" فيه الملك بإجراء تعديل على الحكومة، يتم من خلاله إشراك النواب في السلطة التنفيذية.
إذا كان توزير النواب أمرا غير مرغوب فيه الآن، وهو توجه صحيح من وجهة نظري، فلماذا لم ينبه أحد في "السيستم" النسور، على الأقل بالطلب منه عدم تضمين كتاب الرد إشارة صريحة للموضوع؟
لم يعترض أحد في حينه سوى بعض النواب وكتّاب المقالات، فيما التزم المسؤولون الصمت.
ربما اعتقدوا أنه مجرد خطوة تكتيكية لكسب ثقة النواب، ثم بعد ذلك يكون لكل حادث حديث.
لكن النسور أخذ الأمر على محمل الجد، وعندما حان وقت الوفاء بالوعد جاء الضوء الأحمر من القصر.
رئيس الوزراء في ورطة؛ فهو من جهة لا يستطيع أن يتحدى الإشارة الملكية، ومن جهة أخرى سيجد نفسه في موقف محرج مع نواب قطع أمامهم وعدا بالتوزير.
وفي الوقت ذاته، عليه أن يكسب رضاهم ليمرر قرار رفع أسعار الكهرباء، ويتجنب التصويت على طرح الثقة بحكومته بعد أن وقعت أغلبية نيابية على عريضة لحجب الثقة.
معادلة صعبة بلا شك، كان يمكن تجنبها لو أن خطاب الدولة اتسم بالوضوح منذ البداية بشأن مسألة توزير النواب.
كنت أعتقد وما أزال أن مبدأ التوزير كان يجب حسمه مبكرا، منذ أن انطلقت مشاورات التكليف بين رئيس الديوان الملكي والكتل النيابية، وعدم تركه لمساومات تأليف الحكومة، لأننا نعرف أن الرئيس المكلف سيضطر إلى تقديم التنازلات من أجل الظفر بثقة النواب؛ وهذا ما حصل بالفعل.
بما أن المبدأ لم يُحسم من القصر، ضغط النواب على النسور فنالوا وعدا مكتوبا بالتوزير؛ وعندما مر الوعد بدون اعتراض، خُيّل للنسور أن ذلك إشارة ضمنية بالموافقة، فمضى في طريقه.
عمليا، النسور يدفع الثمن لحالة من الغموض لفّت خريطة الإصلاحات بعد الانتخابات النيابية، وما أسفرت عنها من نتائج لا تنسجم تماما مع الأهداف والطموحات المنشودة.
ليس أمام النسور من خيارات متاحة؛ مذكرة حجب الثقة ضيقت من هامش المناورة، والضوء الأحمر وضعه في دائرة الاستهداف، وقرار رفع أسعار الكهرباء في مثل هذه الظروف يعد انتحارا.
ماذا بوسعه أن يفعل بعد هذا الخذلان غير أن ينسحب بشرف، قبل أن يدخل التاريخ كأول رئيس وزراء في عهد المملكة الرابعة تسقط حكومته تحت قبة البرلمان؟
الغد