لماذا الآن؟
ما هي السطور الثاوية وراء رسالة الملك إلى رئيس الوزراء أمس، والتي تضمنت تفعيل وظائف وزارة الدفاع سياسياً واقتصاديا ولوجستياً في الدفاع الوطني، والفصل بين المهمّات الاحترافية للجيش والأجهزة الأمنية وبين الأدوار التنموية والاقتصادية واللوجستية للوزارة. ثم جاءت الرسالة الجوابية من رئيس الوزراء تتضمن الاستئذان بمنح صلاحيات تعيين رئيس هيئة الأركان العامة ومدير دائرة المخابرات العامة للملك، وتوسيع عمل الهيئة المستقلة للانتخاب؟
ماذا وراء هذه الرسالة؟ ولماذا الاستعجال بإدراج هذه الخطوات الجوهرية الانتقالية على الدورة الاستثنائية للبرلمان، المكثّفة والمتخمة أصلاً بمشروعات القوانين، وعدم تأجيلها إلى الدورة العادية؟
في سياق تحليل الدوائر المقربة من "مطبخ القرار"، فإنّ تفعيل دور وزارة الدفاع، ومنحها صلاحيات الاهتمام بالاستثمارات والموارد المالية والمسؤولية الأدبية والسياسية عن القوات المسلّحة وشؤون المتقاعدين العسكريين، هي خطوة إصلاحية نوعية على صعيد التخلّص من إرث مرحلةٍ سابقةٍ، أشرفت فيها القوات المسلحة على أنشطة استثمارية وشركات اقتصادية، ما كان يتناقض مع الواجبات الدستورية من جهة، والمهمات السيادية لها والزجّ بها في أعمال وإدارات لا تتعلّق مباشرة بمهماتها، ولا تتسق مع أولوياتها واهتماماتها، من جهة أخرى.
التخطيط لهذه الخطوة بدأ منذ ثلاثة أعوام، وتنفيذها، عملياً، بالتخلّص من تلك الأدوار "غير الاحترافية" المرتبطة بالموارد والاستثمارات والشركات، مستمر منذ عام تقريباً، وفعلاً تمّ المضي قدماً في هذه العملية واستغرقت جهوداً ووقتاً، ووصلت إلى مرحلة متقدمة لإزالة هذا الخلط والمزج.
ولأنّنا نتحدث هنا عن مساحة واسعة خارج النطاق الاحترافي مرتبطة بالموارد والمتقاعدين، فالحل يبدو في تفعيل دور وزارة الدفاع، ضمن الفريق الحكومي. وقد يترتب على ذلك وجود وزير دفاع مختص، يتولى المسؤولية الأدبية والسياسية عن الوزارة والقوات المسلحة، مع ترك الأمور الاحترافية البحتة، عسكرياً وأمنياً، لقادة الجيش والأجهزة الأمنية، كما جرت التقاليد السياسية الأردنية.
ترتبط بهذه الرسالة خطوة أخرى ذات دلالة سياسية انتقالية، تتمثّل في نقل صلاحية تعيين رئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات إلى الملك مباشرةً، عبر تعديل دستوري، بعد أن كان ذلك يتطلب إرادة ملكية، تتم عبر تنسيب من قبل رئيس الوزراء والمختصين، بينما الآن سيكون هذا الأمر، دستورياً، من صلاحيات الملك حصريّاً. وتفسّر هذه الدوائر ذلك بالتأكيد على فكرة المضي قدماً نحو "حكومة برلمانية" في الفترة المقبلة.
رؤية الملك للحكومة البرلمانية تقوم على إعادة تعريف دور الملكية في الأردن، ولتمرير هذه الخطوات الانتقالية بأكبر قدر من الضمانات والاستقرار، فإنّ الملك يسحب الأمور السيادية المهمة من يد الحكومات، خلال الفترة المقبلة، ويضعها في يده، لحماية أمن البلاد وسيادته (عبر هذه الأجهزة السيادية) من الدخول في لعبة التجاذبات السياسية والحزبية، أو المصالح الشخصية لأعضاء الحكومات والوزراء.
إلاّ أنّ الخبير القانوني مبارك أبو يامين، يدعو إلى التريث والانتباه فيما يختص ببعض هذه البنود، لأنّها لا تحتاج فقط إلى تعديلات دستورية، بل تصطدم بفلسفة نظام الحكم وروح الدستور، ومن الضروري مراجعتها جيداً وعميقاً قبل المضي فيها، لأنّ الملك محصّن بالدستور من المسؤولية المباشرة، وذلك أفضل للاستقرار السياسي وأكثر تناسباً مع فكرة "الملكية الدستورية"، التي تمهّد الحكومة النيابية المنشودة الطريق إليها.
أما لماذا الدورة الاستثنائية، قبل العادية؟ فأولاً، لأنّ الترتيبات لهذه الخطوة، بما في ذلك التشريعات المتعلقة بالقوات المسلحة، قد أنجزت فعلاً، والأمور نضجت، وفقاً لمقربين من دوائر القرار. وثانياً، قد يعود ذلك (وفق بعض التحليلات) إلى أنّ هناك نوايا بأن تقترب الحكومة المقبلة أكثر من مفهوم الحكومة النيابية، ما يعني ضرورة التعجيل في التعديلات لتكون الأرضية الدستورية والسياسية راسخة لهذه الخطوة الانتقالية.
الغد