لماذا؟!

لماذا؟!
الرابط المختصر

الحمد لله أن بادر أخيراً أحد المسؤولين السياسيين (وزير الداخلية) ليزور محافظة معان، لكن بعد أيام من العنف الأعمى وإغلاق الطريق الصحراوي، وقطع الطريق على آلاف السيارات، وانتقال شرارة الأحداث إلى الشمال، احتجاجاً على عدم محاسبة قتلة أحد أبناء المدينة في أحداث العنف هناك! بالرغم مما احتله مشهد الجنوب، وما جرى في جامعة الحسين من كارثة تدمي القلب، وما تبعها من أحداث مؤلمة ومحزنة جداً (ما بين أفراد من عشائر الحويطات وعشائر معان)، وما تخلّل ذلك من إغلاق للطريق الصحراوي بالإطارات المشتعلة، ثم تبادل إطلاق النار بين الدرك ومن قاموا بأعمال شغب، وحاولوا الهجوم على بعض المراكز الأمنية، وتعليق الدوام أياماً طويلة في جامعة الحسين؛ مع كل ذلك لم نرَ إلاّ الدرك وأفرادهم، خلال الأيام الماضية، الذين أصبح قدرهم مواجهة أعباء الأزمة السياسية والاجتماعية الطاحنة كاملةً في ظل غياب مطبق، وصمت رهيب للطبقة السياسية في البلاد!

بالرغم من كل هذه الأحداث الجسام لم نسمع كلمةً واحدة من رئيس الوزراء عن ذلك، ولا حتى من أيّ من المسؤولين في الدولة، (إلاّ تصريحات المجالي المتأخرة) أمس، التي نزعت جزءاً كبيراً من فتيل الانفجار. قبل ذلك لم تكن إلاّ بضع كلمات معدودة من وزير الداخلية في البرلمان، أمّا أهالي معان والحويطات، فلم يروا مسؤولاً ولم يسمعوا واحداً منهم قبل أمس، وتُركوا لشأنهم مع قوات الدرك، التي تتعامل بحذر شديد وبتوازنات من ذهب مع حالة متفجّرة، وفي مواجهة أزمة ربما تودي بحياة أيّ واحد من هؤلاء الشباب، وربما تفجّر صراعاً آخر مع عشيرته!

ما حدث في جامعة الحسين وقبله في مؤتة، وما شهدته جامعاتنا كافة (باستثناء العلوم والتكنولوجيا)، المشهد الدامي هذا يحتاج إلى "دولة" وإلى "حكومة" وإلى شخصيات قادرة على وضع الأمور في نصابها، وعلى استخدام السياسة عندما يأتي وقتها، وعصا الأمن والتطبيق الصارم للقانون، وعلى الحفاظ على "ماء وجه" الدولة وسيادتها وحرمة الدماء والممتلكات العامة، وهذا كله لم يكن حاضراً في الجنوب! حتى وجهاء العشائر، الذين تدخّلوا مشكورين لإنقاذ الموقف، وتمكّنوا من عقد اتفاق بين شيوخ معان والحويطات، وأخذوا "عطوات متبادلة" لم تنجح مهمتهم تماماً (رغم أنّها خفّفت من التوتر)، إذ إنّ مجموعات من الشباب الغاضب المنفلت لم تعترف بهم ولا بالدولة، ولا بأحد، وهي بالمناسبة حالة شبيهة (لكن بدرجة أكبر) بأحداث الشغب في مدينة السلط العام المنصرم، والذي قبله، إذ إنّ الشباب اليوم يفتقدون إلى القدوة والمرجعية، في فوضى شاملة تصوغ علاقة الدولة بالمواطن.ما السبب؟

باختصار شديد، وبكلمات محدودة، أنّ "المركز الأخلاقي" للدولة انهار لدى المواطنين، فتراجعت معه القيم والأخلاق وسلطة القانون، واحترام المؤسسات، وحتى احترام الشخصيات الكبيرة المبجّلة التي استبدلتها الدولة بمجموعة من البلطجية والزعران! هل يستطيع أحد أن يقول: أين هي الرسالة السياسية الأخلاقية والتربوية للدولة فيما جرى ويجري؟!

أين هي المشروعات الوطنية الكبرى التي تجمع الناس بدلاً من الهويات الأولية الصاعدة، أين هي نخبة الدولة المحترمة المبادرة؟! هل يمكن استنطاق كلمة واحدة من الإعلام الرسمي في الأحداث تمثّل ولو أي لون للخطاب الرسمي أو رسالة غاضبة مثلاً؟! أيّها السادة للمرة الألف: الأردن ليست عمّان الغربية فقط؛ هنالك بشر في المحافظات يعانون من الفراغ السياسي والثقافي، لا يعرفون الدولة إلاّ عبر مخبر ورجل أمن.

الغد