للرفيق مهدي .. كنتُ حيث أنت

للرفيق مهدي .. كنتُ حيث أنت
الرابط المختصر

الرفيق العزيز مهدي السعافين ،،

قبل ما يقارب 30 عاماً كنت حيث أنت، أقبع في سجن لا تتسلل منه الشمس، ولا صوت يطغى فيه على سوط الجلاد، ولا شيء يعلو فيه على صمت الصامدين، ولا شيء يأسر في الدنيا أكثر من بريق عينهم.

كنت أصغر منك سناً، كنت طالباً في جامعة اليرموك، نمضي ساعات طويلة نحرث الأرض بعمل سياسي لا يهدأ، نتسابق من يستقطب أكثر من الطلاب والطالبات، وحين يمضي نهارنا نلوذ إلى بيوتنا، "نكنكن" على "صوبة" الكاز، ونبدأ بالتهام روايات تولستوي، وكتب دار التقدم، وكل ما يقع تحت أيدينا، ويعزز قوتنا ومنعتنا.

كانت إربد غير يا مهدي، كنت أسميها مدينة الحلم، واليرموك مختلفة، تحت زيتونها خبأنا أسرارنا، وعلى أرصفتها وشوشات رفاقنا ودمائهم، التي أزهرت قصص حب لا تموت.

كان زمناً مختلفاً، زمن عرفي تسيده الحاكم العسكري، ومع ذلك كان الناس أكثر تضحية، وأكثر التزاماً، وأكثر عطاء، وأكثر نقاء، وكانت كلماتهم "تحمل المصباح من بيت إلى بيت".

ما بين العمل السياسي وتعلم الصحافة، كان هناك دائماً متسع للحب والعشق والكتابة، كانت "أم كلثوم" تحضر كل أمسياتنا، غابت عنها "الأرجيلة" التي تداري صمتنا وخيبتنا الآن.

قبل 30 عاماً أمضيت ما يزيد عن 80 يوماً حيث أنت، حفظت ثوانيها، ودقائقها، وساعاتها، وأيامها، وعلى جدرانها التصق صوتي وأنيني، وسيجت أسراري عن عيونهم.

كانت يا رفيقي منازلة بين إرادتين، ومواجهة بين حلمين.

لم يكن يهمني الألم، لم يكن يرهبني السجان، كان ما يشغلني أن لا أخون رفاقي، أن لا أطأطئ رأسي، أن لا أخجل من نفسي.

الرفيق مهدي ،،

شدة وتزول، ما أروع الأيام حين تخرج مرفوع الرأس، ما أجمل اللحظات حين تغالبك الدموع بنشوة الصمود.

صديقي ،،

قبل 30 عاماً كتب لي رفيق عاش معي تجربتي، وعشنا معاً أيامنا حلوها ومرها، كتب لي حين كنتُ حيث أنت، قصيدة عاشت أبجدياتها معي طوال ثلاثة عقود.

في الزمن الجديد أبعثها لك، ولكل رفاقك الذين ينيرون عتمة دربنا، ويضحون نيابة عنا، ويصنعون ربيعنا القادم ..

يا صديقي ..

كل هذا الحزن في قلبي ..

وفي قلبك ماذا؟

خيط ضوء ..

وابتهالات نبي ..

وفتاة من جليد

كلما عانقتها في الحلم غابت

وتراءت من جديد

سأبوح الآن سري

وأداوي بعض أوجاعي بما باحت شفاهي

أختفي خلف التفاصيل التي صارت شظايا

أتعرى .. وأعري كل هذا الكون مني

وجعي أحلى الصبايا

كلما عانقتها في الحلم غابت

وبدا فيها المساء

طفلة سمراء تأوي بين جنحيها

فؤاداً ضم أغلى الشهداء

يا صديقي ..

بين نهديها حياتي

وبداياتي وأحلامي

وأزهار الشتاء

كيف كانت رحلتي الأولى إليها؟

بدؤها .. مر .. ولكن

تعب الرحلة يُنسى

عندما يأتي اللقاء ..

يا صديقي ..

بيننا سور عظيم

وجنود وحكومات

وتجار ..

وأصوات عواء

قيدوها بسوار من حديد

برغيف نصفه في الطين مغموس

ونصف في الدماء ..

قسموها

بين جندي مقيت

وأخ قاس معيب

وهنا لا فرق عندي

فالكل سواء بسواء ..

يا صديقي ..

عندما تأتي من الرحلة منهوكاً

ومحزوناً سنبكي ..

ونغني لغد دون بكاء ..

وستحكي لي عن الرحلة

أشياء كثيرة ..

منذ أن قادوك للمسلخ

في عز الظهيرة ..

وإلى أن عدت مقروحاً

ومجروحاً لتزداد مضاء ..

وغد الظلام لن يأتي ..

وإن طال الشقاء ..

يا صديقي كل هذا الحزن

في قلبك .. وفي قلبي ماذا؟؟

خيط ضوء .. وحبيبه

وانتصارات قريبة

لست تنسى يا حبيبي ..

وجعي طفل أمام الناس يستجدي

رغيفاً، ولحافاً، وحذاء

ثم يطوى فوقه ظل السماء

يا صغيري

نام في قلبك هذا الكون

نامت الأقمار والأنجم

والأطفال ناموا ..

كلهم ناموا ..

ولكن كيف يا طفلي تنام

وعيون الله ترعى كل شيء ..

ثم تنسى الفقراء ..

أضف تعليقك