لغز‎ ‎تسعيرة‎ ‎المحروقات

لغز‎ ‎تسعيرة‎ ‎المحروقات
الرابط المختصر

منذ سنوات، وكثير من وسائل الإعلام تحاول كشف أسرار آلية تسعير المحروقات المطبقة محليا، لكن دونما فائدة.

وفي كل مرة تتم فيها تلك المحاولات، يخرج علينا المسؤولون بتصريحات حول معادلة التسعير، لكنها للأسف غير مقنعة، وتزيد الأمور ضبابية، كما تولّد مزيداً من الأسئلة المشككة في مدى شفافية احتساب أسعار المشتقات النفطية بدلا من الإجابة عنها.

وبما أن البلد على أعتاب مرحلة جديدة من تطبيق سياسة توجيه الدعم لمن يستحقه، ورفع أسعار المشتقات النفطية والكهرباء، فإن المطلوب أن تكشف الحكومة (وتحديدا وزارتي المالية والطاقة) تفاصيل التسعير وبياناته، لقطع الشك باليقين، وحتى يعرف المواطن ما له وما عليه.

الإعلان المقترح يجب أن يتضمن قيمة الأرقام الحقيقية بدون مواربة، بحيث يصبح معلوما للجميع كم تجني الخزينة من عوائد المشتقات النفطية، وكم تقدم من دعم، بشكل واضح لا لبس فيه.

على وزارة المالية، بكل جرأة وشفافية، إعلان قيمة المبالغ المتأتية من البنزين بنوعيه؛ أوكتان 90 و95، بشكل شهري، بما في ذلك العوائد الضريبية التي تحصل عليها، خصوصا أن نسب الضريبة المفروضة ليست قليلة، وتبلغ على النوعين نسبة 22 % و40 %، على التوالي.

الإفصاح ضرورة؛ إذ بات من المعروف أن الخزينة لا تدعم "بنزين 95"، ودعمها لـ"بنزين 90" لا يكاد يذكر.

وهذا الإجراء من أبسط حقوق دافعي الضرائب، الذين لا يعرفون كم يدفعون وكيف تنفق هذه الأموال!

التعامل الغامض حيال معادلة التسعير مستمر، وكل الردود غير مقنعة، ما خلق تشكيكاً في المعلومات التي تزودنا بها الحكومات حول آلية احتساب أسعار المشتقات النفطية، وأوجد حالة رفض لكل توجهات رفع الدعم، وسط سؤال بلا جواب منذ سنوات طويلة: كيف تُحسب الأسعار؟ ولماذا كان سعر البنزين أقل حينما كان السعر العالمي للنفط 145 دولاراً للبرميل؟

ما تزال قصة صندوق التحوط حاضرة، والتي تم بموجبها فرض رسوم نسبتها 10 % على أسعار البنزين بدون إعلان ذلك للرأي العام، إلى أن افتضحت القصة لاحقاً؛ ولا ندري إلى أي بند وجهت تلك الأموال، وعلى ماذا أنفقت!

على وزارة المالية أن تقدم كشف حساب بقيمة الدعم الحقيقي الذي تقدمه لقطاع الطاقة؛ إذ يشير بعض الأرقام إلى أن كلفة انقطاع الغاز المصري اليومية هي 5 ملايين دولار.

وهذا رقم مطلق وغير دقيق، خصوصا أن الغاز لم ينقطع بالكامل، وما تزال تصل خُمس الكميات المحددة، بحجم يقترب من 40 مليون متر مكعب، من أصل 250 مليونا مقررة في الاتفاقية، الأمر الذي يطعن في صدقية كلف الانقطاع.

أما الغاز المنزلي فله قصة أخرى؛ إذ تحسب الحكومة والمصفاة كلف الأسطوانة وتحملها بالكامل للمستهلك، وهي بذلك تتغاضى عن عجز المصفاة على تطوير قدرتها الإنتاجية؛ إذ يقدر الخبراء أن نسبة الفاقد في إنتاج المصفاة كبير، كونها تنتج يوميا نحو 14 ألف طن من المشتقات النفطية، وهي نسبة قليلة مقارنة بمصافي البترول في دول أخرى.

ويتحمل المستهلك أيضا تقصير الحكومات في تطوير قطاع الطاقة، وتأخر الالتزام باستراتيجية تطويره وخلق البدائل، التي وضعت في العام 2004 دون طائل، ولم نر مسؤولا واحدا يحاسب عن هذا التقصير، بل كل ما هنالك تحميل المواطن نتائج تقصير الحكومات.

وعلى مصفاة البترول، الناشط التجاري الوحيد في سوق المشتقات النفطية، أن تفسر لنا كيف حققت أرباحها. فهذا حقها كشركة مساهمة عامة مملوكة من القطاع الخاص، لكن الشفافية تستدعي توضيح كيفية تحقق الأرباح المقدرة بحوالي 60 مليون دينار، وما هي البنود التي أتت بكل هذا الربح الصافي.

ثمة أسئلة كثيرة وقضايا عالقة يلزم توضيحها لتسوغ قرارات الحكومة برفع الأسعار والإقدام على رفع الدعم. أرجو وأن لا يكون الرد الرسمي كما جرت العادة؛ بإعادة تفاصيل المعادلة القديمة غير المقنعة.

الغد