لحظة روسيا.. خيبة أميركا
إن كنت تعارض النظام السوري، وتتمنى سقوطه في أقرب وقت، فمن الطبيعي أن تشعر بالغضب من موقف روسيا والثنائي "بوتين ولافروف"، لما يقدمانه من دعم لنظام الأسد. أما إذا كنت مؤيدا للأسد وتكره جبهة النصرة وجماعات المعارضة السورية، فلك الحق في أن تفخر بصلابة الروس في مواجهة الأميركيين، ونجاحهم في تجنيب نظام الأسد ضربة عسكرية كانت شبه محتومة.
لكن في الحالتين، لا تستطيع أن تتجاهل الحقيقة الماثلة؛ لقد حققت الدبلوماسية الروسية نصرا مدويا على الإدارة الأميركية، يعترف بهذا المعارضون لنظام الأسد قبل المؤيدين.الرئيس الأميركي باراك أوباما كان مترددا، ويفتقر للقدرة المطلوبة على الحسم؛ يخشى الرأي العام الأميركي المعارض للضربة، ذهب للكونغرس يطلب التفويض مع أنه يملك الحق المطلق في التحرك.
ووزير خارجيته، جون كيري، ليس أفضل حالا؛ لم يسبق أن كان وزير خارجية لأميركا بهذا الضعف والسذاجة. كل ذلك صحيح مائة بالمائة، لكن الأهم منه أن السياسة الخارجية الروسية لم تكن يوما بهذه الحيوية والديناميكية، كما كانت في أزمة "الكيماوي" السوري.لم يقتصر نجاح الدبلوماسية الروسية على منع الضربة العسكرية، إنما تجاوز ذلك بكثير؛ فقد تمكنت بدهاء وخبرة لافروف من أخذ زمام المبادرة من الولايات المتحدة في سابقة هي الأولى من نوعها.
فقد تولت بلورة المبادرة الخاصة بنزع الأسلحة الكيماوية السورية، وتحديد تفاصيلها، ولم يكن أمام كيري سوى الموافقة على بنودها في جنيف.
في المؤتمر الصحفي المشترك أول من أمس في جنيف، بدا كيري باهتا ومهزوما، فيما لافروف سيد الموقف؛ يتحدث بثقة، ويشرح أدق التفاصيل، ويجذب اهتمام وسائل الإعلام على غير العادة.
وما يجعل من النصر الدبلوماسي الروسي حدثا تاريخيا غير مسبوق، ومن الهزيمة الأميركية أمرا مذلا، هو أن القضية التي ترافع فيها الروس دفاعا عن نظام الأسد، كانت بالتعريف القانوني قضية خاسرة؛ نظام استخدم السلاح الكيماوي ضد شعبه، وقتل ما يزيد على 1500 إنسان جلهم من النساء والأطفال. كيف يمكن لدبلوماسي مثل كيري، يعتز بكونه محاميا مرموقا، أن يخسر القضية؟!
لقد نجح الروس في تحويل الأنظار عن المتهم، والتركيز فقط على أداة الجريمة؛ أي "الكيماوي". وصاغوا مبادرة جوهرها "ضبط" أداة الجريمة، ومن ثم إتلافها، مقابل عدم معاقبة المتهم على جريمته. هذا ما حصل ببساطة في جنيف.لكن عند كتابة التاريخ، ستبدو مثل هذه الأمور تفاصيل على الهامش.
صلب الرواية سيكون عن قدرة الدبلوماسية الروسية على حماية حليفها السوري، والوقوف معه حتى النهاية، لا بل وتأجيل نهايته إلى إشعار آخر.وفي عالمنا العربي الذي يعج بفوضى التغيير، لموقف روسيا مع نظام الأسد دلالة ذات مغزى إذا ما قورن بموقف الولايات المتحدة من حلفائها؛ الأخيرة تركت أعز الحلفاء يتساقطون بدون أدنى اكتراث، بينما روسيا الطامحة لاستعادة مجد الاتحاد السوفيتي، وقفت مع حليفها السوري بكل قوة، ولم تسمح بسقوطه على هول ما فعل مقارنة مع أنظمة مثل التونسي أو المصري.
قبل أن يجف حبر اتفاق لافروف وكيري -لاحظوا أصبحنا نذكر اسم وزير خارجية روسيا قبل أميركا- فتح بوتين خطوط الاتصال بقوة مع إيران التي بدت مبهورة من النجاح الدبلوماسي الروسي، وها هي تعرض على لسان رئيسها، حسن روحاني، على موسكو حمل ملفها النووي، عسى أن تجني انتصارا شبيها بما تحقق لحليفها بشار الأسد.
الغد