لجان الأحياء تصنع التغيير
يبدو أننا ما زلنا نحتفظ بذهنية "الإعالة والرعاية" حين نطالب الدولة بالإصلاح السياسي والاقتصادي. لا بل قد نكون منفصلين عن الواقع إذا تصوَرنا أن الدولة الأردنية المثقلة قادرة على النهوض التنموي والديمقراطي من دون أن يكون لأي منا دور فيه.
الغاية من التصحيح الاقتصادي والسياسي، في أي بلد، هي "تحسين نوعية حياة الناس" بالطبع. وحتى يتحقق ذلك لابدّ من حدوث تغيير اجتماعي موازٍ يعمل على تغير ذهنية الإعالة، التي تحملها المجتمعات النامية إلى ذهنية المشاركة المجتمعية، أو "خدمة المجتمع" بمفهوم آخر. وتقع مسؤولية إحداث هكذا تغيير على عاتق النخب والمجتمع المدني.
لا نقصد هنا النخب السياسية، التي انصرفت –للأسف- عن ممارسة السياسة بمفهومها المعاصر، أي "إدارة الشأن العام" إلى التحزبات الأيديولوجية والعصبوية، وما يحدث في نقاباتنا المهنية خير دليل على ذلك. عندما أهمل القائمون عليها مهامهم في تطوير المهنة، وتأهيل وتدريب الخريجين إلى الأدلجة والمحاصصة وصراع النفود.
النخب الاجتماعية (غير المسيسة) الأوفر حظاً بالتعليم والثقافة هي من يقع على عاتقها، اليوم، قيادة المجتمع في القضايا الحياتية اليومية التي تمس الناس؛ إدارة البنايات وترقيم الشوارع وإزالة الحفر وجمع النفايات وحتى توفير الأمن وحماية الممتلكات.
قد يكون هذا الطرح مستغرباً، لكن جملة القضايا المذكورة هي التي تجبر المواطنين على نقاشها وإيجاد حلول لها على الرغم من اختلافاتهم، لأنها ببساطة مبنية على أساسٍ مصلحي بحت، والمصلحة العامة تنعكس حكْماً على المنفعة الخاصة.
هذا النموذج الناجح من "التشاركية" في خدمة المجتمع يعرف بـ"لجان الأحياء"، ويجري خلالها تفعيل دور المواطن في بقعة جغرافية معينة أيا كان انتماؤه أو دينه أو جنسيته، من أجل تحسين نوعية حياته. والأهم من ذلك أن هذه اللجان تكون منتخبة، وهو ما يخلق تغييراً على المستوى المحلي الذي يقود إلى تغيير أشمل على المستوى الوطني، وبالأساس هي عملية تمكين ديمقراطي إداري واقتصادي، فلجان الأحياء تمكّن المواطن من اتخاذ قرار على مستوى الشارع.
هنا يأتي دور المجتمع المدني أو الجمعيات الأهلية لتعمل بوصفها مظلة تنسيقية للجان الأحياء، فتؤطر مصالح المواطنين ومطالبهم، وتتوسط بين الدولة وبين المجتمع، وتضغط في سبيل تحقيقها.
لا ندعو إلى وجود مؤسسات تحل مكان الدولة، ولا نبرر أيضاً للدولة تباطئها في عملية الإصلاح، والتي ستبقى صعبة المنال من دون دور ريادي استثنائي للمجتمع المدني الذي يجب أن يضاعف جهوده ويعمل بثقة ويستغل ميزة مجتمعنا الديموغرافية، إذ يشكل الشباب فيها أكثر من ٦٠٪، وهي عنوان لأي تحولٍ ديمقراطي إصلاحي مستقبلاً.
تمارا خزوز: صحافية وحقوقية أردنية حاصلة على ماجستير صحافة وإعلام حديث، وماجستير قانون التجارة الدولية، وناشطة في مجال الحقوق والحريات العامة.