لا مفر من الاعتماد على الموارد الذاتية
ربما نكون في طريقنا للخروج التدريجي من الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي ألمت بالأردن وسببت الكثير من القرارات الاقتصادية الصعبة والمؤلمة، ولكن من المؤسف أن أحد أهم اسباب تجاوز الأزمة لا يزال هو فقط تدفق مساعدات خارجية بينما لا يوجد الكثير من الاهتمام بأهمية التركيز على الموارد الذاتية. يجب علينا أن نخرج سريعا من إدمان المساعدات الخارجية كعلاج لأزماتنا المتلاحقة ونركز على الاستثمار الأكفا للموارد الذاتية.
في مناخ من الاعتماد على الموارد الذاتية على الحكومة والأجهزة القضائية والأمنية المختلفة أن لا تظهر أي نوع من التساهل والتسامح مع الفساد ونهب المال العام. لا يمكن القبول باستمرار ممارسة الفساد والمكاسب المتعلقة بالمناصب الكبرى سواء في القطاع العام أو الخاص. أن الشعب الأردني يشعر بالكثير من الاستياء، وتنخفض لديه نسبة تقبل التضحية عندما يسمع ويرى مسؤولين وموظفين في القطاع العام يخرجون من وظائفهم بالحصول على مكاسب مالية ضخمة لا يمكن أن يحققها الراتب الاعتيادي، والأسوا من ذلك عدم وجود اية محاسبة أو مساءلة لهؤلاء المسؤولين بل أنهم يملكون المبادرة في توجيه الاتهامات ورفع الدعاوى القضائية ضد النشطاء السياسيين والإعلاميين.
الاعتماد على الموارد الذاتية يعني التقشف في الإنفاق الحكومي والاستثمار المحسوب في البنية التحتية بدون المبالغة في العطاءات والمشاريع غير الضرورية، ويتطلب الاستثمار في الإنسان الأردني المبدع وليس الأكثر قدرة على المناورة والتزلف وحشد المعارف والضغط الاجتماعي، ويتطلب كذلك ترسيخ ثقافة الجهد والعمل والعطاء والبناء.
ليست نخبة القطاع العام فقط هي التي تتحمل المسؤولية، فالنخبة الاقتصادية في القطاع الخاص لم تبذل اي جهد حقيقي لمقابلة الحوافز التي تجدها في الأردن بمبادرات اجتماعية. في الأردن لدينا سياسات وضعت المستثمر فوق الجميع، وهناك حوافز هائلة للاستثمار في كل القطاعات ولكن لا نرى عائدا مؤثرا من القطاع الخاص تجاه جهود التنمية المحلية. شركاتنا الكبرى تركض وراء الربح السريع، أو المبادرات التي تعتمد على التلميع الإعلامي ولا توجد جهود كافية في دعم التنمية المحلية. هناك استثناءات لما نقول، فقد تابعت مؤخرا جهدا متميزا لإحدى أكبر شركات “النقل والتوزيع” في الأردن وهي تستثمر مبالغ كبيرة وجهدا عظيما لتحقيق تنمية تعليمية وصحية في بعض مناطق عمان المحرومة، وذلك بعيدا عن الصحافة والإعلام. ولكن لماذا لا يتحمل القطاع الخاص مسؤوليته تجاه البلد والتنمية المحلية بمبادرات منهجية تحقق فارقا نوعيا في حياة الناس وخاصة في قطاعات الصحة والتعليم والمياه والغذاء والمسكن؟
المرشحون للانتخابات النيابية يساهمون بشكل كبير في حالة الاستفزاز التي يعاني منها الرأي العام فكل هذه الاموال الطائلة التي يتم انفاقها على الصور والدعايات الانتخابية والمقار والخدمات والمال السياسي هي أموال مهدورة ولو تم استثمار بعضها في مشاريع تمنح فرصا للتنمية والتوظيف لكان ذلك أفضل بكثير من الهدر الفارغ الذي نشاهده الآن.
نحن بحاجة إلى منهج إداري جديد لاستثمار مواردنا الذاتية، والمسؤولية تقع أولا على الحكومات والقطاع الخاص ومن ثم منظمات المجتمع المدني والإعلام والمواطنين، فالأولوية هي لمنع الفساد ومحاسبة المسؤولين عن نهب المال العام وجعل القطاع الخاص يشارك بشكل أكثر فعالية في التنمية، وعندما نكتشف الثروات الحقيقية في مواردنا الذاتية لن نكون بحاجة إلى إدمان المساعدات الخارجية علاجا وحيدا لأزماتنا الاقتصادية
الدستور