لا تجعلوها الضربة القاضية

لا تجعلوها الضربة القاضية
الرابط المختصر

أخطر ما في مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، أنه يخفّض قيمة الإعفاءات للأفراد، مع زيادة النسب المفروضة عليهم في الوقت ذاته.

في قوانين الضريبة المحلية؛ وهي للأسف كثيرة وغير مستقرة، لطالما كان البحث يتركز على النسب المفروضة على القطاعات والأفراد، فيما يقل الاهتمام بجزئية التهرب الضريبي، رغم أنها الأهم؛ كونها العيب الصارخ الذي يُظهر عجز الحكومات المتلاحقة عن معالجتها.

فزيادة الإيرادات الضريبية اليوم في بلد مثل الأردن، يعتمد في جل موارده المالية على الضرائب، تتطلب محاصرة التهرب الضريبي، وليس زيادة الضريبة على الأفراد والقطاعات، وهم الملتزمون أصلا بتسديد الضريبة.

الحكومة اليوم تبدو كمن يستقوي على من يحترم القانون، فيما تتنصل، تواطؤا أو عجزا، من محاسبة المتهرب والمقصر! ما يجعل تطوير قانون الضريبة وتحسين الإيرادات، من وجهة نظر الحكومة، أمراً غير ممكن بدون إيقاع الضرر بفئات تلتزم بدفع الضريبة؛ وكأن الحكومة بذلك تعاقب هذه الفئات على التزامها!

قانون الضريبة المطلوب يُفترض فيه تغليظ العقوبات بحق المتهربين، من خلال اعتماد أساليب مبتكرة، تطبقها دائرة ضريبة الدخل والمبيعات لتحصيل الضرائب من فئات وشرائح لم تسدد فلسا واحد لضريبة الدخل رغم أنها تحقق مداخيل مرتفعة.

إذ تُقدَر قيمة الأموال التي تفقدها الخزينة جراء التهرب الضريبي بأكثر من 700 مليون دينار.مشروع القانون لم يكتفِ بتخفيض الإعفاء من 24 ألف دينار سنويا للأسرة، و12 ألف دينار للأعزب، وصولا إلى 18 ألف دينار و9 آلاف دينار للأسرة والفرد على التوالي.

بل زاد المشروع النسب المفروضة على الدخل غير الخاضع للإعفاء، وصولا إلى نسبة مرتفعة جدا تبلغ 25 %، صعودا من 10 %؛ ما يعني أن شريحة جديدة من الأردنيين ستخضع لضريبة الدخل.

بحسب القانون المطبّق حاليا، وكما تقول الحكومة، فإن 97 % من الأردنيين معفون من ضريبة الدخل.وبالنظر إلى هذه النسبة، تبدو الحكومة كريمة، كونها تعفي الغالبية من ضريبة الدخل. وعند الخوض في التفاصيل، يظهر فعلا أن كلّ من يقل دخله عن 2000 دينار شهريا لا يدفع ضريبة الدخل، لكنه، وبحسب الدراسات الرسمية، يتحمل عبئاً ضريبيا نسبته 26 % يتأتى عن أنواع أخرى من الضرائب والرسوم.

بموجب المقترح الجديد، ستدفع كل أسرة يزيد دخلها على 1500 دينار شهريا ضريبة عن الدخل، تضاف إلى أعباء ضريبية أخرى، تفوق نسبتها المعايير الدولية المقررة للدول النامية، فيما يبلغ معدل النمو الضريبي محليا 4.5 %.التنسيب بزيادة الضريبة على الأفراد، وتوسيع الشريحة المكلفة، كانا دائماً فكرة مطروحة من جهات مانحة ومؤسسات دولية، ترى أن 20 % فقط من المكلفين يتحملون الضريبة في الأردن، وهم الأقلية؛ فيما تتمتع الأغلبية البالغة 80 %، بالإعفاء من ضريبة الدخل.

لكن ما لم يُقل في هذه الدراسات يتعلق بمستوى مداخيل الفئات المعفاة، ومن ضمنها الطبقة الوسطى؛ التي تؤكد وزارة التخطيط والتعاون الدولي أن حجمها في الأردن يبلغ 29 % من مجموع السكان. وهو ما يعني أن مزيدا من الضرائب سيقلِّص حجم هذه الطبقة إلى درجة الانحسار، ولتغدو بالكاد حاضرة في المشهد بعد كل الضربات التي تعرضت وستتعرض لها.

الجدل حول قانون الضريبة لن يتوقف.

وهذا التشريع هو في العادة خلافي، من الصعب أن يتفق عليه الجميع. ولربما يكمن الحل في عدم زيادة الضريبة على من يلتزم، والبحث بدلاً من ذلك عن منافذ التهرب ومحاصرتها.على الحكومة بجميع أعضائها، رئيسا ووزراء، التنبه جيدا للمخاطر المجتمعية التي يستجلبها القانون المقترح؛ فالطبقة الوسطى يا سادة لم تعد تحتمل وتكاد تهوي، فلا تجعلوها الضربة القاضية.

الغد