لاعبون تقليديون.. إذن ما الحل؟
لا يبدو أن اختيار رئيس الوزراء المقبل سيكون من خارج العلبة التقليدية.هذه النتيجة يمكن استخلاصها استناداً إلى أن قواعد اللعبة لم تختلف، وكذلك اللاعبون وأداؤهم.فإفرازات قانون الصوت الواحد جاءت كما كان متوقعا، وما سيخرج من ترشيحات نيابية لن يغادر كثيرا مسرح المعروف سابقا.
عمليا، لم يتغير شيء باستثناء بدء مرحلة جديدة، ربما تؤسس لتغيير جوهري، بعد أن انتهت مرحلة سابقة استمرت عامين، قامت على تنافس كبير على الشارع بين المعارضة والدولة بكل مؤسساتها.
نتائج المرحلة الماضية لا ترضي كل التطلعات، بيد أن جمع كل ما تم فيها في لوحة واحدة، وجعل الصورة مكتملة، قادر على جعلها مقنعة إلى حد ما للبعض.
جردة حساب لما مضى تكشف أن ما تحقق ليس بمستوى الطموحات، لكنه طيب، خصوصا أن عملية المطالبة بالإصلاح، بكل تفاصيلها ومعاركها، تمت في أجواء سلمية لم يتأذ فيها أحد، واستطاع الأردن خلالها الحفاظ على ميزة الأمن والأمان، وهذه مكاسب تحسب للمعارضة قبل الجهات الرسمية.
تقييم ما تم واستكمال العمل، يفرضان أجندة واضحة على الكتل النيابية الموكولة إليها مهمة اختيار اسم رئيس الوزراء وفريقه المقبلين، بحيث يكونون مؤهلين للوفاء بما هو مطلوب، وقادرين على الاستجابة إلى حدود مرضية لطموحات المجتمع.
ومن باب التذكير، ولضمان أن يكون الخيار مقبولا بالحد الأدنى، فإن على النواب أن يرصدوا تفاصيل المشهد المحلي، ليتمكنوا من فرض شروطهم على الرئيس المقترح.
فاختيار رئيس الحكومة صلاحية كبيرة، والسلطة تتبعها مسؤولية أكبر، لأن النواب سيكونون في مواجهة مع المجتمع الذي سيقيّم الاسم الذي يقع عليه التوافق.
سياسيا، تسير الإصلاحات بوتيرة بطيئة، لكنها في النهاية تسير.
وما يحدث اليوم في كيفية اختيار الحكومات مهم، وبداية لتغيير جذري، ودفعه للأمام بحاجة إلى اتفاق مسبق على خطوط عريضة حول ماهية خطة العمل الحكومية في مجال الإصلاح السياسي.فمثلا، يلزم الحصول على تعهدات بعدم محاكمة المدنيين أمام قضاء عسكري.
ويلزم أيضا التشاور مبدئيا بشأن تصور الرئيس الجديد لقانون الانتخاب المطلوب، ومناقشة ملف الفساد، والحصول على تعهدات تؤكد إيمان الرئيس بعدالة هذه القضية، وإدراكه لتبعاتها الإيجابية الكبيرة، ليس على النواب فحسب، بل على جميع المؤسسات.
الاتفاق المسبق سيوفر للنواب معايير عامة يمكنهم اعتمادها لتقييم أداء الحكومة مستقبلا، وتقدير مدى التزامها بالتنفيذ.
وفي هذا تمرين حقيقي وعملي على كيفية عمل الحكومات البرلمانية، بحيث تخضع دائما لحكم النواب وليس العكس.
المشكلة الحقيقية تكمن في الإصلاح الاقتصادي، كونه معطلا وغير شامل؛ إذ ما يزال الإصلاح في هذا الجانب يقتصر على مسائل سطحية ومباشرة، لم تؤثر بعد في حياة الناس.
ذلك أن تفكير الحكومات جميعها مرتكز على أن التشوه الوحيد في الاقتصاد، يتمثل في دعم السلع والخدمات.إحداث تغيير حقيقي في هذا الجانب يتطلب معرفة حثيثة بالاختلالات القائمة التي أهملتها حكومات كثيرة لصعوبة معالجتها، ومنها على سبيل المثال التشوهات التي تزخر بها الموازنة العامة، والهدر المالي في الإنفاق العام، وغير ذلك الكثير.
إحراز تغيير يتطلب اتفاقات مسبقة مع الحكومة حيال مثل هذه الملفات، بحيث تقدم الحكومة وفريقها تصوراتهما وخططهما لمعالجة مثل هذه القضايا.
الاختيار السليم يخدم مصلحة النواب قبل غيرهم، ويتطلب تحييد التطلعات الشخصية والمصلحية؛ فالفشل في اختيار الرئيس، يعني فشلا جديدا لمجلس النواب، يضاف إلى رصيد كبير من الإخفاق موجود أصلا في أذهان الناس.
كل ما يتسرب من معلومات حتى اليوم يؤكد أن شخصية الرئيس ستكون تقليدية، وسر النجاح لا يكمن في شخصه، بل بفرض النواب أجندة غير تقليدية على أي حكومة ستأتي.
الغد