كيف لنا أن نتجنب الحكومات الفاشلة؟
مراجعة القواعد المتبعة في اختيار الرؤساء والوزراء واعادة النظر في تجربة السنوات الاخيرة .
اظهرت تجارب الحكومات المتعاقبة في العقد الاخير ان من الخطأ الفصل بين البرامج والمسؤولين القائمين على تنفيذها, وان نوعية وهوية الاشخاص هما العامل الحاسم في نجاح او تعثر المشاريع الاصلاحية وعدم انجاز المهمات التي تحددها كتب التكليف الملكي.
بمعنى آخر فان طريقة تشكيل الحكومات وآلية اختيار الوزراء تفوق في اهميتها البرامج, لان عدم قدرة المسؤولين على تحقيق تطلعات الشعب تنعكس سلبا على الاهداف والشعارات ذاتها ويفقد المواطن الثقة بالمبادئ قبل المسؤولين.
ولهذا يخطئ النواب في اعتقادهم ان الثقة النيابية تمنح للبرامج والبيانات الوزارية بغض النظر عن نوعية الوزراء لان نجاح اي برنامج يعتمد بالدرجة الاولى على قدرة المسؤولين على التنفيذ, ولذلك ينبغي في البداية فحص قدرات الفريق الوزاري ومؤهلاتهم قبل النظر في البرامج. فما من حكومة إلا وتبنت برامج اصلاحية ووعدت بسياسات نوعية ثم ما لبثت ان اخفقت في ذلك واظهرت في التطبيق عجزا وفشلا وخيبة امل عند جمهور عريض من الرأي العام الطامح بالتغيير والاصلاح.
بعد هذه التجارب المريرة مع مجموعات من الوزراء المنتمين الى مدرسة التكنوقراط و"الديجتال" او الذين توارثوا المناصب الرسمية او هبطوا بالبراشوت من دون ان يكون لهم اي حيثية سياسية وطنية, صار من الواجب مراجعة القواعد المتبعة في اختيار الحكومات وطواقمها وثمة استخلاصات في هذا الشأن لا بد من التوقف عندها:-
اثبتت التجارب ان السلوك الوظيفي والشخصي لمن يتولون مواقع المسؤولية يؤثر الى حد كبير على مصداقيتهم في نظر الرأي العام, فمن ارتبط اسمه بشبهات الفساد او الثراء من الوظيفة العامة لا يمكن ان يكون مسؤولا ناجحا, وحتى لو ان شركة علاقات عامة اجنبية رشحته للمنصب!
الفصل التام بين رجال الاعمال "البزنس" والمنصب السياسي, فتزاوج السلطة والمال كان المسؤول الاول عن كل قضايا الفساد التي سجلت في الاردن خلال السنوات الماضية وهو الذي وقف خلف مشروع تفكيك الادارة الاردنية وتراجع مستوى وسوية القطاع العام.
واظهرت التجربة ايضا ان المستوى الاكاديمي او ما بات يعرف بفئة خريجي الجامعات والمعاهد الغربية لا يعني بالضرورة ان اصحابه هم الاكفأ لتولي المناصب الوزارية والمواقع المتقدمة, ففي الممارسة كان الكثير منهم الاسوأ في الادارة والاقل قدرة على معرفة احتياجات المجتمع وتقديم حلول واقعية للمشاكل. وفي الذاكرة القريبة قصص فشل لا تعد ولا تحصى. كما ان العديد من المسؤولين الذين تورطوا في قضايا فساد كانوا من ألمع الطلاب في الجامعات الغربية.
الوزن السياسي والحضور على المستوى الوطني عامل حاسم للنجاح, فمن يفتقد القدرة على التواصل مع مجتمعه ومع موظفيه يخفق في عمله واذا لم يحز على ثقة الناس سيجد صعوبة في تمرير اي قرار او تطبيق السياسات.
معظم المسؤولين الذين فشلوا في مواقعهم كانوا ينتمون الى الفئات التي اشرنا اليها سابقا ويفتقرون للميزات التي جعلت من مسؤولين في تاريخ الحياة السياسية الاردنية رموزا.
الى ان نصل الى مرحلة متقدمة في الاصلاح السياسي و"انتخاب" الحكومات مباشرة علينا ان نعمل على تطوير الادوات المتوفرة وتحسين شروط تشكيل الوزارات واختيار الوزراء لنتجنب في المستقبل الوقوع في فخ الحكومات الفاشلة وما تخلفه من متاعب لصاحب القرار وللشعب.
العرب اليوم