كيف كان أداء النواب؟
أنهى مجلس النواب أمس الدورة غير العادية الأولى له. ومن المرجح أن يعود للانعقاد أواخر الشهر الحالي في دورة استثنائية، لإنجاز عدد من التشريعات الملحّة، في مقدمتها النظام الداخلي للمجلس، والذي بدأ بمناقشاته قبل أيام.
خلال الأشهر الستة الماضية، كان النواب تحت مجهر الشعب ووسائل الإعلام.
وانتظر الكثيرون من أول مجلس في زمن "الربيع العربي" أداء مختلفا عن المجالس السابقة؛ فهل حقق النواب الآمال المعقودة عليهم؟
يمكن تقسيم عمل المجلس، ولغايات تقييم الأداء، إلى مرحلتين. في المرحلة الأولى التي امتدت لفترة أطول من اللازم، انشغل المجلس بأموره الداخلية؛ تشكيل الكتل، وانتخابات الرئاسة واللجان الدائمة، ومشاورات تشكيل الحكومة التي استمرت لأكثر من شهر.ومع بدء أعماله، احتاج النواب بضعة أسابيع للتكيف، خاصة أن بينهم ما يربو على تسعين نائبا جديدا.
هذه المرحلة تخللتها مناوشات ومشاجرات تحت القبة، أضرت بصورة المجلس الجديد. ومع مرور الوقت، اشتغلت ماكنة المجلس؛ لكن ببطء ملحوظ.
وبذلك دخل المجلس المرحلة الثانية، التي يمكن القول إنه حقق خلالها إنجازات ملموسة، تمثلت في إقرار اثنين من أهم القوانين؛ "الضمان الاجتماعي" و"المالكين والمستأجرين".
القانونان كانا مثار جدل واسع؛ "المالكين والمستأجرين" خضع للتعديل أكثر من مرة بدون أن يحظى بقبول أغلبية المواطنين، أما "الضمان الاجتماعي" فقد تعرض بصيغته المقدمة من الحكومة لانتقادات شديدة من المنتسبين.
وقد نجح النواب في التوصل إلى صيغ توافقية في القانونين أرضت معظم الأطراف.في مناقشات الثقة بحكومة عبدالله النسور، اتسم أداء النواب بالندية العالية.
ولولا تدخل جهات سيادية في الدولة، لأمكن لهذا المجلس أن يفجر مفاجأة كبرى، ويحجب الثقة عن الحكومة التي اجتازت الامتحان بشق الأنفس.
الثقة الهشة التي نالتها الحكومة أثّرت على علاقتها بالمجلس، وربما تكون هي الدافع وراء سيل الانتقادات والاستجوابات والأسئلة التي انهالت عليها من النواب طوال الدورة.
أعطى ذلك الانطباع بأن المجلس المنبثق من رحم "الربيع العربي" بطبعته الأردنية يمارس دوره الرقابي على أكمل وجه.
ولهذا، كانت الحكومة تشعر على الدوام بأنها تحت ضغط مستمر من النواب. قد يكون شعور الوزراء أنهم تحت الرقابة الدائمة أمرا مفيدا، لكن في أحيان كثيرة بالغ نواب في ممارسة هذا الدور لمصالح وحسابات شخصية، الأمر الذي أدى إلى إرباك عمل الوزراء، وشل قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات.
لكن رغم توسع النواب في ممارسة واجباتهم الرقابية، إلا أنهم لم يتمكنوا من التأثير على القرارات الاستراتيجية للحكومة؛ كإلغاء الدعم عن المحروقات والكهرباء، أو الانصياع لرغبة الأغلبية النيابية في طرد السفير الإسرائيلي.
ورغم حرص معظم النواب على تعزيز شعبيتهم أمام قواعدهم الانتخابية، إلا أن قراءة في نتائج استطلاعات الرأي، ومراجعة لانطباعات المواطنين، تعطيان دلالات أكيدة على أن شعبية المجلس الحالي ما تزال في حدودها الدنيا.
لا يتحمل النواب وحدهم وزر هذه النتيجة؛ فمخرجات العملية الإصلاحية برمتها لم ترقَ إلى مستوى طموح القوى السياسية والحركات الشعبية، وكان من الطبيعي أن ينعكس هذا على صورة النواب.
تعثّر فكرة الحكومة البرلمانية، والقرارات الاقتصادية التقشفية، واستمرار الحراك في الشارع، وإن كان بدرجة أقل مما كان عليه قبل الانتخابات النيابية، كانت في مجملها مبررات لاستمرار حالة الإحباط العام، انعكست بشكل مباشر على مجلس النواب، مثله مثل باقي مؤسسات الدولة.
يمكن القول إن الدورة الأولى من عمر المجلس كانت دورة تجريبية. في القادم من الأيام، سيكون النواب أمام تحدي إثبات الوجود.
والمدخل لتقديم أداء مختلف ومقنع، هو مأسسة عمل المجلس. وذلك لن يتم قبل إنجاز تعديلات النظام الداخلي، وإحياء الكتل النيابية التي تلاشى دورها في الأشهر الأخيرة.
الغد