اغلاق بضعة ملفات لا يكفي والمطلوب مراجعة جذرية لـ (السيستم)
لا يرتوي الرأي العام من اخبار مكافحة الفساد, فما ان يسمع عن توقيف متهم حتى يبادر بالسؤال
وماذا عن فلان وفلان, متى سنراهم خلف القضبان. وحين تعلن الحكومة تحويل ملف - تدور حوله الشبهات. الى هيئة مكافحة الفساد تزداد الضغوط من اجل فتح المزيد من الملفات. ولوحظت في الاونة الاخيرة جرأة غير مسبوقة في مطالب مكافحة الفساد اثناء مسيرات واعتصامات بعض قوى الحراك الشعبي تمثلت برفع يافطات تدعو لمحاكمة مسؤولين سابقين بعينهم بقضايا الفساد.
ومن شدة ما عانت البلاد من فساد فان الناس متعطشون للانتقام من الفاسدين, ولذلك نجدهم غير قانعين بما يتخذ من خطوات وينتقدون الحكومة لما يعتقدون انه بطء في الاجراءات وعدم جدية في ملاحقة الفساد.
لسنا في وارد الحديث عن ارادة الحكومة في مكافحة الفساد, ولو فتحنا هذا الباب لسمعنا ردودا لا يمكن التقليل من اهميتها, فالحكومة احالت عددا غير قليل من الملفات الى هيئة مكافحة الفساد »الكازينو«موارد »سكن كريم ... الخ« وشكلت لجنة عليا لتدقيق ملفات اخرى. لكن ما نود التوقف عنده هو القناعة السائدة لدى الاغلبية الساحقة من الشعب بان الفساد متفش في المؤسسات جميعها وان معظم المسؤولين الذين تولوا مواقع متقدمة كانوا فاسدين ومن يأتي بعدهم يسير على دربهم بالضرورة. ولذلك تتردد على ألسنة الناس عبارة تلخص رأيهم في الموضوع مفادها: »السيستم فاسد«.
سواء كان هذا انطباعا ام حقيقة, فنحن ازاء مأزق كبير يرسم صورة قاتمة لعلاقة المواطن مع دولته في الحاضر والمستقبل, لا يكفي فتح بضعة ملفات وسجن عدة اشخاص لتبديدها »السيستم« في مجمله يحتاج الى تغيير, بمعنى آخر فان السياسات والتشريعات واسلوب ادارة الحكومات ومؤسسات الدولة هي التي خلقت البيئة الملائمة لنمو الفساد وتزامن ذلك مع تعطيل ادوات الرقابة والمساءلة وتراجع دور السلطة التشريعية ومن بعدها القضائية.
لقد سيطرت ثقافة »البزنس« على عقلية الدولة واستولى رجال الاعمال على المناصب السياسية ومراكز صناعة القرار وسادت هذه العقلية حتى في المؤسسات الامنية والعسكرية.
وفي وضعية كهذه لم نعد قادرين على تتبع الفساد, فقد صار جزءاً من النظام المؤسسي, ولم يعد ممكنا تمييز المسؤول الفاسد من النزيه.
والمحصلة كانت صورة مشوهة وممسوخة لا تصلح معها سياسات الترقيع.
وبصراحة اكثر الطبقة السياسية برمتها اليوم في موضع اتهام على المستوى الشعبي, وقلة قليلة منها ما زالت تحتفظ بشيء من الثقة واي مشروع للاصلاح لا يأخذ بعين الاعتبار تغييرا جذريا لهذه الطبقة فان مكافحة الفساد ستبقى محل شك وريبة لدى الرأي العام, وقبل ان نعمل جديا لتغيير المناخ السياسي والتشريعي ونراجع دور المؤسسات ووظائفها فما من ضمانة تمنع بزوغ اجيال جديدة من الفاسدين.
العرب اليوم