كنت هناك

كنت هناك
الرابط المختصر

في أقصى الجنوب . في الشوبك .قرية وادعة تحتضنها التلال الغناء بحرارة

إنها قرية المنصورة ..حيث تزول الفوارق وتنصهر الشرائح وتتحطم آفات المدينة على سفوح جبال الشراه.

لطالما حملت ذاكرة المكان من أحاديث الآباء والأجداد عن قريتي .عنابة - قضاء الرملة .

وفي زيارتي الى قرية المنصورة . استدعيت قريتي , وبيت جدي ودكان القرية .

وكل حبة تراب وطأتها أقدام أجدادي .

حين دخلت القرية ...استقبلت بفرح غير مألوف لي سابقا من أناس ما لوثتهم تصاريف السياسة المقيتة .....فأيلول مر عليهم رطبا بنسائمه القادمة من جبال الخليل.

كنت أصحو على صوت الحاج أبو إبراهيم الطوَرة ,ذلك الشيخ الجليل النقي .

كان يوقظني بصوته قائلا : اصحى يا خليل . الشاي والفطور جاهر ..إلحقني على المطل –وهي منطقة تشرف على وادي عربة وجبال الضفة الغربية .

كان الفطور مكون من اللبن والشراك والبيض البلدي . خلال تناول الفطور كنت أرهقه بالأسئلة عن فلسطين التي خبرها كباقي شيوخ القرية جيدا . فقد كان أهل القرية يتوجهون غربا ببضاعتهم إلى أسواق الخليل والفالوجة ..ليعودوا شرقا محملين باحتياجاتهم من سكر وشاي وحلقوم ومعاول وأدوات .

قال لي : كنا نذهب على الحمير .وقد كان أهل الدوايمة يسرقون ما تطرف من حميرنا ...سعقتني هذه المعلومة المعروفة لدى اللاجئين الفلسطينيين ..فما توقعت أن يذكرها شيخ يسكن أعالي جبال الشراه . ..........بهذه المعلومة غابت الفوارق .

ليس هذا فحسب . فقد حفظ أهل القرية معالم القدس وابتلت شفتا ابو إبراهيم حين ذكر لي أنه كان كلما زار القدس أكل الكنافة من عند العكر .

في قرية المنصورة إذا نطق أحدهم باسم فلسطين ...يسبقها تنهيدة وآه طويلة ملؤها الحسرة والألم.

في تلك القرية النقية بأهلها وهوائها ...البيت يهدى ولا يباع

ودكان القرية الوحيدة لا تفتح أبوابها إلا عند الطلب والبضائع لا تدون في دفتر الدين مفصلة ...بل أغراض أبو فلان .

في المنصورة لا توجد طرق متعرجة للوصول إلى الأماكن ..بل تسير في خط مستقيم عبر بيوت الجيران وحواكيرهم ..متلقيا العديد من العزائم لشرب الشاي وتناول الطعام .

في تلك القرية الوادعة ..الحب أصم والفتاة تحب من خلف الشبابيك وفقدان الحبيبة يعني أن تنأى بنفسك فوق إحدى التلال لتمارس طقوس الوجع وحدك

بزيارتي لقرية المنصورة ..أعدت ذاكرة المكان ..ولكني فقدت وطني للمرة الثانية

عدت منها وأبقيت قلبي هناك

أضف تعليقك