"كلام جميل".. ولكن

"كلام جميل".. ولكن
الرابط المختصر

وضعت اللجنة الملكية لإعداد منظومة النزاهة الوطنية، أمس، الوثيقة المقترحة لبناء منظومة للنزاهة الوطنية؛ تشمل الميثاق، والخطة التنفيذية المقترحة لتطبيق التوصيات والاقتراحات الموجودة، عملياً، عبر تعديل القوانين والتشريعات والأطر المؤسسية المختلفة، وتطويرها ودعمها بالموارد البشرية والمالية اللازمة، مثل هيئة مكافحة الفساد التي تعجز مواردها الحالية المحدودة، وما تملكه من تقنيات وأدوات، أمام الحجم الكبير من الملفات والعمل المعروض عليها.

الوثيقة وضعت المبادئ والقيم الأساسية التي تمثّل شرطاً لنجاح منظومة النزاهة، مثل سيادة القانون والشفافية، وتوزيع السلطات والصلاحيات، وتطوير التشريعات، وتعزيز ثقافة إتاحة المعلومات، والرقابة الإعلامية. وبدأت الوثيقة بجملة مهمة ومشجّعة، عندما أكدت أنّه لا بد من الاعتراف أولاً بوجود آفة الفساد، حتى نتمكن من معالجتها.

ربما توزّع الدولة الوثيقة على وسائل الإعلام، وتُنشر على شكل كتيب جميل وأنيق، بغلاف فاخر؛ وتُوضع أيضا على أقراص مضغوطة (سيديهات)، وتترجم للإنجليزية ليطلع عليها الدبلوماسيون والضيوف الأجانب. وسنسمع قصائد غزل ومديح بها، عبر وسائل الإعلام. وربما تدخل ضمن نسق الإعلام الرسمي، بوصفها إنجازاً حضارياً وتشريعياً كبيراً. إذا كان هذا هو الهدف، فستحققه الدولة فعلياً!

كل ذلك جميل، وأجمل منه وجود خطة تنفيذية. لكن، هل فعلاً سيقتنع المواطن الأردني، وحتى السياسيون وقادة الرأي العام، بجديّة دوائر القرار في العمل بهذه المنظومة المتكاملة؟ حتى لو تمّت ترجمة هذه التوصيات إلى قوانين ومؤسسات، فإنّ الرأي العام أصبح متشككاً بأي وثيقة أو مخرجات أو توصيات شبيهة تصدر!

تذكّرت وأنا أقرأ أمس الميثاق المتضمن في الوثيقة، تجربة لجنة الحوار الوطني وديباجتها، والتي تضمّنت مبادئ الإصلاح وغاياته؛ بالتأكيد على قيمة المواطنة، وحماية الحريات العامة، وسيادة القانون، وإصلاح التربية والتعليم بوصفه أولوية، وضمان حقوق الإنسان، وقصر عمل الأجهزة الأمنية على الشؤون المتعلقة بها، وعدم تدخلها في الشأن العام، والسياسي تحديداً، وإطلاق المجال للحوار العام والمجتمعي.. إلخ.

كنّا في لجنة الحوار نتناقش بشأن كل كلمة وفقرة وجملة، وحول اختيار المفاهيم والمصطلحات، وكأنّنا بالفعل أمام وثيقة تاريخية مهمة، فما هو مصيرها اليوم؟! والأمر نفسه ينطبق على العديد من الوثائق ومخرجات اللجان، وحتى القوانين التي لا تُفعّل، ولا يتم العمل بها؛ مثل قانون حق الحصول على المعلومات، والذي يتقاطع مع الشفافية التي تحدثت عنها لجنة النزاهة الوطنية.

في المحصلة، كل ما يُكتب من أجل تطوير الحياة العامة، والخروج من الأزمة الطاحنة، والحلقة المفقودة، يبقى حبراً على ورق! والفزّاعة دوماً جاهزة: "بعبع الإخوان". وذلك بالتأكيد وهم كبير. فإطلاق الحريات العامة، وحماية حقوق الإنسان، وتطبيق القانون، والشفافية الإدارية، وحاكمية المال العام (ليس فقط الموازنة- كما يشير د. عمر الرزاز)، كل هذه القيم والمبادئ المهمة والأساسية في خلق بيئة محترمة حضارية، هي أعلى وأكبر من اختزال الموضوع في ثنائية الدولة مع الإسلاميين، لكنّ يتم تحطيمها والتلاعب بها.

القناعة الدارجة عن الأردن في الأوساط الغربية والعربية، وحتى الشعبية، هي أنّنا نجيد الحديث عن الإصلاح والتطوير. وأصبحنا نمتلك، نظرياً، منظومة قوانين ووثائق هائلة، لكنّنا كما يقول المثل العامي: "نعطي غمّاز يمين وبنروح يسار"!

وإلاّ، كيف نفسّر أن يُحاكم ثلاثة شباب لرفعهم شارة "رابعة" أمام القضاء العسكري، بالرغم من الحديث الدائم عن حرية التعبير (جاءت في توصيات اللجنة أيضاً)؛ وأن يضرب العنف الجامعي بقوة أمس في جامعاتنا (البلقاء التطبيقية)، بعد كل هذه الوثائق والخلوات؟! ما قيمة كل ما يكتب إذا بقينا ندور في الحلقة المفرغة ذاتها، ولم ننوِ، فعلاً، أن نقفز إلى عصر الإصلاح الحقيقي الجوهري، ونقوم بالخطوات الضرورية قبل أن يفوت الأوان؟

الغد