كلاكيت رقم (10)!
مرّة أخرى، تشهد مدينة معان تطوّرات مؤسفة، نجم عنها مقتل وإصابة رجال درك، ثم مقتل شاب أثناء تواجده في منطقة مواجهات بين الدرك ومحتجين؛ فإعلان رئيس البلدية الحداد العام لثلاثة أيام، وتعطيل البلدية.
أمس، وفقاً لشهادة مندوب "الغد"، أغلقت أغلب المحال التجارية والبنوك، سواء عن قناعة أو إجباراً ممن دعوا إلى ذلك من أبناء معان. وسادت أجواء متوترة في المدينة، فيما غابت الدولة عن المشهد، فبقيت قوات الدرك وحدها في الميدان والمواجهة، في دلالة واضحة على اختزال أزمة المدينة في المقاربة الأمنية لا غير!
صحيح أنّ بداية المواجهات الأخيرة جاءت بين قوات الدرك وعدد من المطلوبين على خلفية قضايا متعددة، إلاّ أنّ التطوّرات المتلاحقة دفعت، مرّة أخرى، وكما يحدث عادةً (أيضاً)، إلى تداخل الجوانب الأمنية بالاجتماعية والنفسية والاقتصادية، وعدنا إلى المربع الأول الذي أصبح عنوان مختلف الأزمات التي تعاني منها المدينة، منذ ربع قرن تقريباً، مع الدولة.
لم يعد البحث عن التفاصيل مهمّاً في الأحداث التي تقع في المدينة، طالما أنّ عناصر الأزمة حاضرة دوماً، والقابلية للاشتعال متوافرة، وغياب الإدارة السياسية أصبح بمثابة أحد أركان الأزمة الدائمة. فيما أثبتت التجارب السابقة أنّ الاعتماد فقط على المعالجة الأمنية سيفاقم المشكلة، ولن يؤدي إلى حلّها؛ إذ إنّه سيعزز من الانطباعات السلبية المتبادلة بين أهل المحافظة وقوى الأمن من جهة، ويدفع إلى تكاتف أبناء المحافظة والعشائر ضد الدولة، من جهة ثانية!
ولعلّ المفارقة التي تستدعي القراءة العميقة، أنّ المواجهات بدأت، أولاً، بين عدد من المطلوبين من أبناء المحافظة مع قوى الأمن، ثم دخل أفراد من التيار السلفي الجهادي على الخط، واصطفوا ضد قوى الأمن، وهنالك شعور بأنّهم ساهموا في توتير الأجواء والوصول إلى حدّ المواجهات المسلّحة، قبل أن تأخذ الأزمة صورتها المعتادة بين المدينة والدولة!
أحد الأصدقاء من أبناء المحافظة يذكر ملاحظة مهمّة، تتمثّل في أنّ عدداً من المطلوبين، على خلفية السرقات والجرائم، أصبحوا يضعون أعلام "القاعدة" وشعاراتها، مع التذكير بأنّ عشرات من أبناء المدينة انضموا إلى الفصائل السلفية الجهادية في سورية (مثل "داعش" و"جبهة النصرة")، وأنّ عدداً كبيراً منهم قُتل هناك. ومن خلال تتّبعك لبعض صفحات مواقع التواصل الاجتماعي لعشرات الشباب القريبين من هذا الاتجاه، ستجد روح التمرّد والتكاتف الغريبة بين اتجاهات من المفترض أنّها متناقضة، لكن تجمعها حالة الغضب على الدولة!
بيت القصيد هو أنّنا لو عدنا إلى الكتاب المهم المشهور، الذي أصدره مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية في العام 2003، بعنوان "معان أزمة مفتوحة"، لوجدنا أنّ عناصر المشكلة والأزمة واضحة كل الوضوح في الكتاب، وفيه تشريح للأسباب التي أدّت إلى الأزمات المتتالية منذ العام 1989 حتى العام 2002، وإشارة إلى جوهر المشكلة والخلل. لكنّني أشكّ كثيراً في أنّ أحداً من الوزراء أو المسؤولين كلّف نفسه بالعودة إلى الكتاب وقراءته، لإعادة النظر في المقاربة الرسمية الفاشلة التي تعزّز وتجذّر المشكلة، بدلاً من حلّها.
لو أن أحداً من المسؤولين كلّف نفسه عناء قراءة صفحات محدودة، على الأقل الخلاصات من ذلك الكتاب، لأدرك تماماً الخطأ الفادح في الاعتماد على المقاربة الأمنية مع هذه "المدينة المشكلة"، كما وصفها الكتاب!
استمرار الأزمة، عبر هذه السنوات الطويلة، هو بمثابة دليل ساطع على فشل تعامل الدولة مع الأزمة، وافتقادنا إلى الرؤى الاستراتيجية. ومثل هذه "الحلقة المفرغة" لا تمسّ فقط ملف معان، بل هي السمة الرئيسة لأغلب ملفّاتنا!
الغد