يبدو ان الحكومة جادة تماما في استكمال حزمة رفع الدعم عن باقي السلع والخدمات ذات الصلة “بالطاقة”، وابرزها الكهرباء اولا ثم المياه، وفي بعض المعلومات المتوفرة ان ثمة قرارا جاهزا في “درج” الرئيس يتضمن رفع اسعار الكهرباء على فئة المستهلكين العليا التي تزيد فاتورتها عن “60” دينارا في الشهر، مقابل تخفيض سعر اسطوانة الغاز دينارين بحيث يصبح سعرها “8” دنانير فقط.
لا ادري - بالطبع - اذا ما كانت هذه القرارات سيجري “تلطيفها” باجراءات اخرى على صعيد خفض النفقات العامة، او احالة ملفات فساد كبرى الى القضاء، او اخراج توصيات لجنة النزاهة التي شكلت مؤخرا، لكن السؤال المهم يتعلق “بالتوقيت” فهل سيتم اصدار المقررات في غضون شهر “الانتخابات” ام ستؤجل الى ما بعد ذلك؟ وفي ظني ان الحكومة تفكر الان في ذلك، وان ثمة من ينصح بالتأجيل، لكن ما فهمته من تصريحات الرئيس امس يجعلني اعتقد بان القرار سيكون قبل نهاية هذا العام.
اذا اردنا ان نحسب “كلفة” هذا القرار سياسيا، فمن واجبنا ان نتذكر اولا بان اتفاقية اعادة “ضخ” الغاز المصري لم تثن الحكومة عن تغيير مواقفها وعروضها للصندوق والبنك الدولي، ومع ان شروط الاتفاقية مع مصر ومع البنك الدولي ما تزال غير معروفة للرأي العام الا ان ثمة آمالا لدى الناس علّقت على امكانية تخفيض اسعار الغاز نتيجة لالتزام مصر باعادة الضخ، وهذا الانبطاع يدفعنا الى التذكير - ثانيا - بان ردود الفعل الشعبية التي شهدها الشارع بعد قرار رفع الدعم عن المحروقات لم تكن - بحسب القراءات الرسمية - خارج السيطرة، على العكس تماما فقد تلاشت بعد اسبوع فقط.. وكأن الناس تفهموا القرار، وبالتالي فان تكرار التجربة اصبح مغريا.. فالحكومة ستتحمل “غضب” الناس وستستوعبه، والرئيس اكد اكثر من مرّة بان الاجراءات كانت ضرورية وشجاعة مع ان الكثيرين لم ينصحوه بها، ومع ان “النخب” المحسومة على الدولة “خذلته” ولم تدافع عنها.
الكلفة السياسية - اذن - ستكون بسيطة جدا مقابل “المصلحة” الاقتصادية التي ستتحقق، ولان الحكومة لا تعرف فيما اذا كانت لها فرصة في العودة للدوارالرابع بعد الانتخابات ام لا، فان اتخاذ القرار الاخير لتحرير اسعار السلع الاساسية، وفي مقدمتها الكهرباء، سيكون من صميم واجباتها التي جاءت من اجلها، هكذا بالطبع يفكر بعض المسؤولية، لكن السؤال عن تأثير مثل هكذا قرار على اقبال الناس على الانتخابات، وعلى مستوى معيشة الطبقات الوسطى الفقيرة، وعلى مزاج الناس وعلاقتهم مع دولتهم ومجتمعهم سيظل - بالتأكيد - معلقا بدون اجابات.
ما استطيع ان اقوله هنا هو ان حسابات الكلفة السياسية استنادا الى “حراكات” الشارع او “بيانات” المعارضة ليست مهمة، فانا على ثقة بان ما حصل في 13 تشرين لن يتكرر، وبان صورة الانتخابات لن تتغير كثيرا، لكن الذي يهمني هو تأثير ذلك على “الناس” الذين لا صوت لهم، وعلى سلامنا الداخلي والاجتماعي الذي اخلّ به كابوس الفقر والبطالة والعوز، وعلى مشاعر الاردنيين الطيبين الذين يستحقون ان نكافأهم على صبرهم وتحملهم باحترام لقمة عيشهم وموارد رزقهم القليلة.. وعلى ما يحميهم من “حَرّ” الشتاء وينير لهم بيوتهم حين يخرج اطفالهم منها قبل طلوع الشمس.
الدستور