قافلة الأحرار وحصار الحصار
تذكرت مقولة "الدرويش": "حاصر حصارك" وأنا أستمع إلى أخبار قافلة شريان الحياة 4.
هذا الحصار الجائر الظالم المجرم، الذي يصمت عنه العالم صمت القبور. آن لهذا الحصار أن يكسر، وآن لهذا العدوان الهمجي أن يتوقف. وآن لهذه اليد الباغية المجرمة أن تكف. وآن لهذا الشعب البطل الصامد المرابط العاض على الجرح والمستمسك بالشرف والرجولة والحق، آن له أن يتنفس بحرية، وأن تنزاح عن صدره جواثم الاحتلال البغيض..
وتنطلق قافلة شريان الحياة 4، وتمخر سفائنها عباب أمواج البحر الأبيض الذي كان يوماً بحيرة عربية إسلامية، وإذ به مياه تعربد فيها قوات البغي الهمجية، وتفرض قانون القراصنة فيها وعليها.. وكأن لا قانون فوق "قانون العربدة" ولا شرعة فوق شرعة الطغيان والعدوان.
يا قافلة الحرية، تهب على وجوهكم البهية نسائم البحر رخية ندية. وتداعب خيالكم صور وصولكم والتحامكم بأهل غزة الأبية. يا أصحاب الضمائر الحية النقية.. في ركام من الغثائية والنفاق فيما يسمى الشرعة الدولية.
أنتم الإنسانية. وأما البقية فصور من محنطات بشرية.. وأحفورات أثرية، وأشكال آدمية.
إن غزة صورة مجسدة مكبرة لمطلق المظلومية. وصورة رائعة كذلك للصمود والصبر واليقين وتعشق الحرية.
يا قافلة الحرية يا من جئتم تمثلون حقيقة شعوبكم، وتعبّرون عن وجدان أممكم، من كل أطراف الأرض جئتم، من كل الأقوام والأعراق قدمتم، من كل فج نهضتم للقيام بواجبنا.. بواجبكم. نذوب خجلاً، وننصهر حياءً من أنفسنا أنّا لا نتحرك إلا متأخرين، وفي ذيل الآخرين، وفي أعقاب المبادرين، بدل أن نكون أول الناهضين، وأسبق الناشطين.
لما أقفل البر العربي، احتاج الأحرار أن يعبروا البحار لإيصال بعض المدد إلى أهل غزة الأبطال.. الأبرار.
إن العرب لا يصدقون أن "إسرائيل" ومن ورائها أمريكا في أضعف الحالات. وأنه لو وجد من يقف ويتحدى لانهد المعبد على من فيه، وهوى الصنم. لكن الأوهام معششة، والعقول ما زالت مسكونة بالرعب من اسم "العزّى".. تماماً كما أراد خالد عليه الرضوان أن يحطم من عقول العرب أسطورة اللات والعزى، فأبى إلا أن يحطمها بيده. والمخاوف تصطفق في عقولهم، وتضطرب في أخيلتهم، حتى أنهى خالد مهمته. فصدّق العرب أنها أوهام ومجرد أصنام.
الصنم الأمريكي الصهيوني أضعف مما تتوهمون أيها الواهمون. والأحرار الذين سيعبرون البحار لا يرعبهم تهديد ولا وعيد صادر عن رعديد يغطي عجزه وجبنه وضعفه بالعربدة والصوت العالي.
أعد العدو المجرم خياماً وهدد باعتقال الأحرار فيها.. فلا مكان للأحرار إلا في السجون في عرف هذا العدو المجرم المأفون.
والأحرار يردون على التهديد بالتصميم الشديد الأكيد، والعزم العنيد أن لا محيد عن بلوغ الهدف، ولو نَبيد. بمثل هذه العزمات تتحقق الغايات، وبمثل هذه الإرادات تنجز أعظم المنجزات وتتحقق المهمات.
لقد تحدى قائد المتطوعين والمقاومين في لبنان هذا العدو المتغطرس فلم يرد العدو عليه بكلمة. ولماذا يعربد على بقية العرب، ولا يملك مثل هذه الجرأة في مواجهة هؤلاء؟ في الوقت الذي يوغل فريق في مشروع التواطؤ والخيانة، يتوغل فريق في دروب الحرية والكرامة، ويصل بمتطوعين مع هذا العدو إلى درجة توازن الرعب وتوازن الرد، وهذا بحد ذاته يسقط كل نظريات السلام والاستسلام والتعاون والتنسيق والاعتراف..
يا هؤلاء، يا عرب التواطؤ، لقد دمرتم قيم الناس، ونشرتم ثقافة الاستخذاء والاستجداء بدل ثقافة الصمود والصبر في ميادين البأساء، وفي مواجهة الأعداء، قضيتم في نفوس أتباعكم على كل معاني العزة والإباء والكبرياء.. وأحللتم مكانها الهوان والذل أمام الأذلاء.
وأما أنتم يا قافلة الشرفاء، فلقد وضعتم كيان الأشقياء في أحرج الزوايا. فإن ترككم تمرون أسقطتم حصاره الذي زاد على الألف يوم.
وإن تعرض لكم كشفتم خسته ووحشيته، وتعديه على كل ما تتبجح به الحضارة الغربية من قيم الحرية وحقوق الإنسان.
إن الذين على متن السفن يمثلون عشرات الدول. ومنها شخصيات أوروبية من العالم المتمدن المتقدم.. إذا كان الناس لا يعدون البشر بشراً إلا من مستوى دخلهم!
إن في قافلة الأحرار بضعة مئات نعم، لكن القلوب التي تحوطها وتدعو لها وتتابع خطوها موجة موجة، وتراقب النسائم نسمة نسمة.. هذه القلوب تعد بمئات الملايين.
إن الصراع بين الحق والباطل.. الحق المجرد، والباطل المدجج هذا الصراع يتجدد ويتجسد. وستكون الغلبة إن شاء الله للحق وإن بدا مجرداً.
لقد كسبت القضية الفلسطينية نصيراً جديداً هو تركيا. وكسب صمود غزة تعاطف العالم، وضم إلى المؤيدين زعيماً مهماً ورائعاً هو رجب طيب أردوغان.. ويبدو أن علاقات تركيا مع الكيان آخذة في التدهور، بل وصلت إلى حد التلويح بالتهديد إزاء تعرض دولة البغي للقافلة؛ لأن دولة تركيا تحترم سيادتها.. هنا السيادة يا سادة لا في "مرمطة" أنصار فلسطين!
إن صور أردوغان تغطي شوارع غزة. أوَتظنون أيها العرب أن أهل غزة لا يحبون أن تملأ صور الزعماء العرب شوارعهم؟ بلى والله يحبون. لكنّا ما قدمنا لهم ما يجعلهم يفعلون هذا. على كل حال. إن معادلة الصراع آخذة في التغير.
وإن السكون الذي خيّم على القضية وران عليها، بدأ يتمزق أديمه، ويتخرق غلاف الصمت.. لتعود القضية من جديد حية في كل وجدان. الصمت العربي والتنازل العربي أوصلنا إلى واقع زري لم يكن يحلم به أحد لا في معسكر الأعداء ولا الأصدقاء.
من كان يحلم أن العالم العربي لا يجرؤ أن يذيع أغنية: الحلم العربي فكيف يجرؤ على تجسيد "الحلم العربي"؟
إن قافلة الحرية ستسقط كثيراً من أوراق التغليف، وكثيراً من الأقنعة التي تخفي أطناناً من الزيف. ستعري قافلة الأحرار، غابة المتوحشين، والوجوه المنمقة المزوقة التي تخفي وراءها سماً ناقعاً.. كل هذا سيسقط. سيسقط عن العدو ادعاؤه تمثيل الحضارة الغربية وقيمها في وسط محيط الهمج المتوحشين.
ستسقط هيبة هذا العدو، ويظهر على حقيقته، عاجزاً أمام الإصرار.. إصرار الأحرار.
قافلة الأحرار ستجعل مزيداً من الشرفاء ينضمون إلى مواكب الأحرار والمتعاطفين مع الأحرار. قضيتكم بالحركة لا بالعمالة تكسب الأنصار. المقاومة هي الطريق. والمقاومة هي الحل. والمقاومة السلمية يا دول العالم العربي ويا "منظمة المقاومة" سابقاً.. أليست هذه صورة من المقاومة السلمية فهلا انضممتم لها وأنتم تؤمنون كما تزعمون بالمقاومة السلمية؟ والإعلام العربي لم يغسل يده منها؟
يا أحرار، يا شرفاء، كل القلوب معكم، وكل الشعوب معكم، ورب الشعوب والقلوب معكم.