مسيرات واعتصامات متواضعة لإحياء المناسبة .
تداعت بالأمس احزاب سياسية وحركات شبابية لإحياء ذكرى هبة نيسان. ففي مثل هذا الوقت من عام 1989 انطلقت شرارة الاحتجاج الشعبي من معان فعمّت مختلف محافظات الجنوب ووصلت الى مدينة السلط. احداث نيسان شكلت في حينه نقطة تحول في تاريخ الاردن, حيث الغيت الاحكام العرفية, وعادت الحياة النيابية, وشهدت البلاد تحولا ملموسا نحو الديمقراطية تَمثّل في اطلاق الحريات العامة وحرية الصحافة على وجه التحديد.
ذكرى الهبة هذه السنة تزامنت مع اوضاع استثنائية تعيشها البلاد منذ ان دخلت المنطقة العربية برمتها عصر الثورات الشعبية, وحاول منظمو المسيرات والاعتصامات ان يجعلوا من الذكرى مناسبة لاعطاء حركة المطالبة بالاصلاحات زخما شعبيا اكبر. وقد اعلن عن تنظيم مسيرات واعتصامات في عمان وخمس محافظات اخرى. لكن حجم المشاركة جاء مُخيباً لآمال القوى المنظمة. ففي المحافظات التي شهدت "الهبة" قبل 22 عاما كانت اعداد المشاركين في الاعتصامات متواضعة للغاية, اما في عمان فان المشاركين في مسيرة "الحسيني" واعتصام ساحة "الأمانة" مجتمعين اقل من الاعداد المشاركة في مسيرات الاسابيع الماضية.
ذلك يعني امرا اساسياً, هو ان الاحزاب التقليدية والحركات الشبابية المنبثقة عنها لا تستطيع "بكبسة زر" انزال الجماهير الى الشارع, ولاعتبارات موضوعية لم تكن قادرة على فعل ذلك, لا في تونس ولا مصر وغيرهما من البلدان العربية التي تشهد حراكا شعبيا مثل اليمن وسورية, لا بل ان الجماهير في تلك الدول قفزت عن الاحزاب وتخطت المعارضة في لحظة تاريخية فريدة. وينبغي علينا ان نتذكر هنا ان الاحزاب لم تقف وراء هبة نيسان ,89 لقد أطلق شرارة تلك الهبة بضع عشرات من سائقي الشاحنات في معان, الذين تضرروا من قرار الحكومة برفع اسعار المحروقات, واكتست الهبة طابعا سياسيا بعد مشاركة الشيوعيين والبعثيين فيها بمدينة الكرك ومساندة "معنوية" واسعة لمطالبها في اوساط سياسية وشعبية في عموم البلاد.
لكن عدم المشاركة الواسعة في مسيرات واعتصامات الأمس لا يعني ان المواطنين راضون عن الوضع القائم ولا يطالبون بالاصلاح والتغيير, على العكس من ذلك تماما فالاغلبية الساحقة تنتظر من الدولة ان تفي بوعودها, واذا مرت الاسابيع والاشهر من دون ان ترى تغييرا ملموسا فعندها ستنزل الى الشوارع من غير ان تنتظر قرارا من الاسلاميين او اليساريين.
واللافت في مسيرات واعتصامات إحياء ذكرى الهبة ان الشعارات والمطالب التي رفعها الاردنيون قبل 22 عاما ما زالت نفسها: "مكافحة الفساد واجراء الاصلاحات". وان دل ذلك على شيء فانه يدل على ان الاوضاع في الاردن لم تتبدل كثيراً لأكثر من عقدين, وان الاسباب التي دفعت الناس للانتفاضة عام 89 ما زالت قائمة اليوم. الفرق الوحيد هو في نوعية الفساد وهوية الفاسدين وفي طبيعة الظروف السائدة حولنا في المنطقة.
العرب اليوم