في دستورية أو لا دستورية الدوائر الافتراضية

في دستورية أو لا دستورية الدوائر الافتراضية
الرابط المختصر

لست خبيراً في الفقه الدستوري ، بل ولا اخفي عليكم بأن ثقافتي القانونية عموماً ، ما زالت في مرحلتها الثانوية بعد ، ولكنني مع ذلك ، كغيري من الملمين بالقانون والدستور ، وغير الخبراء بفقهه ، نستطيع أن نميز التشريعات والإجراءات والسياسات التي تصطدم مع نص الدستور وتتعارض مع روح القوانين ، لا لشيء إلا لأنها تضرب مبدأ العدالة والفرص المتكافئة بين المواطنين ، وتُخل بالقاعدة الدستورية التي تجعلنا ، سواسية كأسنان المشط أمام القانون السيّد.

مناسبة هذا الحديث ، نتائج الانتخابات الأخيرة ، وأشكر الزميل جهاد منسي من الزميلة الغد الذي نبهنا في تقرير له ، إلى وجود ثلاثين مرشحاً خاسراً في الانتخابات ، جاؤوا بأصوات تفوق ما حصل عليه مرشحون آخرون في ذات الدوائر الانتخابية ، بيد أن سوء طالعهم أدرجهم في دوائر فرعية مكتظّة بالمنافسين الأقوياء. بعض هؤلاء المترشحين الخاسرين ، كما تقول أرقام جهاد ، تفوّق على أكثر من مرشح فائز في الدائرة الانتخابية الكبيرة ذاتها.

لقد اعتدنا في انتخاباتنا النيابية ، ومنذ أن استؤنفت الحياة البرلمانية في بلادنا في العام 1989 على وجود فوارق في الأوزان التصويتية للنواب والمترشحين والناخبين...رأينا نواباً ببضع مئات من الأصوات يجلسون تحت القبة ، فيما مترشحون ومترشحات ، حصلوا على عشرة أضعاف ما حصل عليه هؤلاء النواب أو النائبات من أصوات ، ولم يتمكنوا من الوصول إلى العبدلي ، ورأينا محافظات تمثلت بأكثر مما يسمح لها وزنها السكاني ، وأخرى بأقل مما يتيح لها ثقلها الديموغرافي ، وكل ذلك بات جزءا من الفلوكلور الانتخابي الأردني على أية حال.

وبرغم اعتراضنا من حيث المبدأ على هذه القسمة غير العادلة للمقاعد على الدوائر الانتخابية ، إلا أننا ظلننا نأخذ بنظر الاعتبار ، ما يردده أصحاب هذه النظرية ومؤيدوها من فرضيات من قبيل الأقل حظاً والحفاظ على الهوية ودرء شبهة التوطين ، إلى غير ما هنالك من حجج وذارئع ، أيا كانت درجة جديتها وجدوى الاحتكام إليها لتبرير الفجوة التمثيلية.

لكن هذه المرة ، نجد أنفسنا أمام شبهة خرق دستوري لا مبرر لها ولا مسوّغ ، وأنا هنا أكتفي بإثارة المسألة على شكل أسئلة وتساؤلات ، على أمل أن يتلقفها خبراء الفقه الدستوري الأكفاء ، إذ كيف يمكن لمترشح عن الدائرة الثالثة أو الثانية في العاصمة على سبيل المثال ، حيث التركيب السكاني والاجتماعي متجانس إلى حد كبير ، ويتلونون بذات اللون المنابتي في الغالب ، كيف يمكن لمترشح أن يظل في قائمة الخاسرين ، فيما زملاء له ، يجلسون تحت قبة البرلمان ، كنواب ممثلين لهذه الدوائر ، وبعدد أقل من الأصوات... أين العدالة في الأمر ؟...أين المساواة بين المواطنين ؟...ولماذا نحرم ثلاثة آلاف ناخب في من حقهم في إيصال ممثل عنهم للبرلمان ، في الوقت الذي نمكن فيه الفين فقط من جيرانهم من هذا الحق؟... كيف يمكن أن نبرر هذا الخلل التمثيلي وغني عن القول ، أن ما ينطبق على هاتين الدائرتين ، ينطبق بصورة أشد فداحة على معظم الدوائر الثلاثين التي سجلت نجاح الخاسر وخسارة الفائز؟، قد يقال ، أن الحظ العاثر لهؤلاء قادهم لدوائر وهمية مكتظة بالمرشحين والمنافسين الأقوياء ، هذا صحيح ، ولكن هل يمكن لإجراء إداري صرف ، من نوع توزيع الدوائر الانتخابية إلى دوائر وهمية ، أن تكون له صفة التفوق على الدستور وروح القوانين ، ومبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص؟...ألا تكفي هذه النتائج للطعن في دستورية الدوائر الوهمية ، ألا تكفي ، ومن باب أضعف الإيمان ، لأن تكون سبباً للتراجع عن هذه البدعة غير المعمول فيها في كل نواميس العالم وقواميسه.

نحن نعرف أن التدقيق والتمحيص في قائمة المغبونين لا يعطيان أية دلالة سياسية من أي نوع ، ونعرف أن قوائم المغبونين إذ تشتمل على كل صنفوف المرشحين وألوانهم ، لا تنطوي على اتهام سياسي محدد ، ولكننا بتنا على أتم يقين ، بأن مقامرة الدوائر الوهمية ، قد وصلت إلى نهايتها ، ونريد أن نسمع ممن ابتدعها ، شرحاً وتوضيحاً ، تفسيراً وتبريراً وتعليلا ، وتصويباً إن ثبتت المخالفة الدستورية.

span style=color: #ff0000;الدستور/span

أضف تعليقك