في العلاقة بين الملك ورئيس الوزراء

في العلاقة بين الملك ورئيس الوزراء
الرابط المختصر

رسم الدستور الأردني العلاقة بين الملك ورئيس الوزراء عندما أناط السلطة التنفيذية بالملك يتولاها بواسطة وزرائه وفق أحكام الدستور. فعلى خلاف باقي الأنظمة الملكية البرلمانية التي يقتصر فيها دور الملك على اعتباره مركزا شرفيا لا يحكم ولا يتدخل في شؤون الحكم، فإن الملك في الأردن يتمتع بصلاحيات دستورية تضمن له تدخلا فعليا في إدارة شؤون الدولة، فهو يحكم لكن بطريقة غير مباشرة من خلال وزرائه الذين يشاركونه التوقيع على الإرادة الملكية وفق أحكام المادة (40) من الدستور.

ومن أهم مظاهر تدخل الملك في شؤون الحكم في الأردن أنه يقوم بتعيين رئيس الوزراء ويقيله ويقبل استقالته، ويعين الوزراء ويقيلهم ويقبل استقالاتهم بناء على تنسيب رئيس الوزراء. فعلى خلاف الأنظمة البرلمانية الأخرى، فإن رئيس الوزراء في الأردن لا يأتي إلى دفة الحكم بناء على تمتعه بأغلبية برلمانية أو ثقة شعبية، بل يتم اختياره بناء على علاقة شخصية مباشرة مع الملك أساسها ثقة وعطف الملك بشخصه وقدرته على الحكم. لهذا فإن رئيس الوزراء في الأردن يكون ملزما دستوريا بالعمل على تنفيذ رغبات الملك وتوجهاته العامة في إدارة شؤون الدولة، وهذا يتطلب منه إدامة التواصل مع الملك للاطلاع على ما يدور في ذهنه من أفكار وتوجهات مختلفة، بحيث تصدر قراراته الحكومية من داخل مجلس الوزراء وتصريحاته الرسمية لتخدم تلك الأفكار والآراء وتعبر عنها.

إلا أن المتتبع لمجريات الأحداث الدستورية في الآونة الأخيرة والقرارات التي تصدر عن رؤساء الوزراء وتصريحاتهم، نجدها قد خرجت عن فلك العلاقة مع الملك بشكل ولّد نوعا من التنافر والتناحر بين القرارات الحكومية التي صدرت والرؤى الملكية في إدارة شؤون الدولة، فغاب التنسيق والتكاملية بين رئيس الوزراء والملك بشكل يتعارض مع أحكام المادة (26) من الدستور التي تسند السلطة التنفيذية للملك ومجلس الوزراء.

فقد شهدت الدولة الأردنية مؤخرا حالات عديدة اختلف فيها موقف رئيس الوزراء وقراراته عن التوجهات والرغبات الملكية، كان أهمها وأكثرها إثارة للأزمات القرارات المتعلقة بقانون التقاعد المدني المؤقت رقم (10) لسنة 2010 الذي رفضه مجلسا الأعيان والنواب ومن ثم أعلنت حكومة الدكتور فايز الطراونة بطلانه. إلا أن جلالة الملك قد رفض الموافقة على إعلان بطلان ذلك القانون، وهو القرار الذي أثار تساؤلات دستورية حول حق الملك في رفض التصديق على إعلان بطلان القانون المؤقت، حيث تم تحويل الموضوع إلى المحكمة الدستورية التي لا تزال تبحث عن توليفة دستورية لهذا المأزق. فلو أن رئيس الوزراء آنذاك قام بالتنسيق مع الملك حول مصير قانون التقاعد المدني لما انتهت السلطة التنفيذية إلى التعارض في قراراتها الخاصة بذلك القانون، وهو ما أثر سلبا على صورتها أمام السلطة التشريعية.

وفي عهد رئيس الوزراء الحالي الدكتور عبد الله النسور كثرت حالات غياب التنسيق والانسجام بين القرارات الحكومية وما يدور في أروقة القصر الملكي. فقد سعى النسور وفي مناسبات عديدة إلى إدارة الشؤون العامة للدولة باتجاه معين ليخالفه الملك فيما بعد ويرفض توجهاته وطموحاته الحكومية، وبالتأكيد كانت كلمة الملك ولا تزال تسمو دستوريا على قرارات رئيس الوزراء. فالنسور وبعد انتهاء حكومته من أداء اليمين الدستورية صرّح بأنه بصدد إجراء تعديل وزاري، وأنه سيزج بالنواب في حكومته الحالية لفض رشاقتها وإعادة الدسم إليها بعد أن يقوم بتفحص أداء البعض منهم وقدرتهم على الانضمام للفريق الوزاري. وقد ازدادت التكهنات بقرب التعديل الوزاري عندما أعلن النسور ومن على شاشة التلفزيون الأردني أنه سيجري تعديله الأول على حكومته بعد عودة جلالة الملك من زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

وعندما عاد جلالة الملك خالف جميع التصريحات والأماني التي أطلقها النسور، فقد أغلق ملف توزير النواب إلى الأبد، وحتى هذه اللحظة لم يعط مباركته الدستورية لإجراء التعديل الوزاري الذي ينشده النسور، وهو ما يثبت غياب التنسيق والتشاور من قبل النسور مع جلالة الملك.

ولم تبق الأمور عند حدها هذا، بل تفاقمت أكثر من ذلك. ففي الوقت الذي كان فيه جلالة الملك يرعى حفل إطلاق مبادرة تمكين الشبابية التي تدعو إلى تفعيل ممارسة الأردنيين لحقوقهم وحرياتهم وتنمية المواطنة الصالحة القائمة على التزام الدولة بضمان الحقوق الدستورية بأنواعها المختلفة، كانت حكومة النسور تصدر قرارها المشؤوم بتكميم الأفواه والاعتداء على حرية الرأي والتعبير وحرية الصحافة المقررتين دستوريا من خلال حجب المواقع الالكترونية غير المسجلة وفق أحكام قانون المطبوعات والنشر المعدل. فعلى فرض التسليم بصحة ادعاءات النسور أن دور حكومته يقتصر فقط على تنفيذ أحكام القانون الذي أقرته السلطة التشريعية، وأنه يمكن لأي متضرر من القرار اللجوء إلى القضاء للبت في دستورية وقانونية القرار من عدمه، إلا أن توقيت قرار الحجب كان غير موفق ذلك أنه تزامن مع رغبات الملك في تفعيل حقوق الأردنيين وحثهم على ممارستها والتمسك بها. فهذا التعارض بين الرغبات الملكية والقرارات الحكومية يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن الحكومة بعيدة كل البعد عما يدور في ذهن الملك من أفكار وتوجهات إصلاحية. فما الضرر لو أن قرار حجب المواقع قد اتخذ بعد فترة من إطلاق مبادرة تمكين حتى لا يتم إفساد فرحة المبادرة الملكية!

وقد ازدادت الأمور سوءا واستفحلت قبل أيام قليلة عديدة عندما صرّح رئيس الوزراء النسور وخلال لقائه الفعاليات الرسمية والشعبية والحزبية في جامعة آل البيت، أن جلالة الملك سيلقي خطابا شاملا يوم العاشر من الشهر الحالي احتفالا بيوم الجيش، حيث دعا الأردنيين كافة إلى متابعة الخطاب الملكي المهم. إلا أن المفاجأة كانت أن الأردنيين قد تسمروا أمام شاشات التلفاز لمتابعة خطاب الملك الذي لم يأت أبدا في ذلك اليوم، إنما بعد ذلك بأيام قليلة أثناء تخريج جامعة مؤتة الجناح العسكري.

خلاصة القول.. إن رئيس الوزراء يفترض أن يكون الأقرب للملك، وأن يكون الأكثر تواصلا معه بحيث يتعرف على ما يدور في خاطره من أفكار ورغبات لتأتي قراراته الحكومية وتصريحاته متناسقة مع ما يريد الملك تحقيقه. فالمرحلة التي يمكن فيها لرئيس الوزراء أن ينفرد في اتخاذ القرارات ورسم السياسات العامة بمعزل عن شخص الملك لم يحن موعدها بعد في النظام الدستوري الأردني، حيث إنها تستلزم وبالضرورة الانتقال إلى مرحلة الحكومات النيابية التي تنتخب من قبل أفراد الشعب في انتخابات تشريعية حرة ونزيهة وعلى أساس حزبي. فينتقل الحزب الفائز من أروقة السلطة التشريعية إلى تشكيل الحكومة النيابية كاستحقاق دستوري لتنفيذ برامجه وأهدافه التي تعهد بتنفيذها أمام جمهور الناخبين من خلال سيطرته على موقع اتخاذ القرار، فعندئذ يكون أي اختلاف بين قرارات وتوجهات رئيس الوزراء والملك له ما يبرره دستوريا وسياسيا. أما قبل ذلك، فإنه الوقائع السابقة تشير إلى بداية ظهور خلل يجب تداركه والعمل على تصحيحه من خلال إعادة رسم العلاقة بين الملك ورئيس الوزراء في الدستور الأردني.

* أستاذ القانون الدستوري المساعد في كلية الحقوق في الجامعة الأردنية

العرب اليوم

أضف تعليقك