فلنطرق جميع الأبواب

فلنطرق جميع الأبواب
الرابط المختصر

بالعودة إلى أرقام عجز الموازنة العامة خلال السنوات العشر الماضية، يلحظ المتتبع أن ثمة فجوة كبيرة بين حجمه خلال السنوات الخمس الأولى من العقد الماضي والنصف الأخير منه.

فمنذ العام 2000 ولغاية 2004 كانت قيمة العجز تدور حول 200 مليون دينار، بيد أن العام 2005 كان حاسما بخصوص تطور مؤشر العجز، حيث بدأنا نشهد نموا مطردا في هذا المؤشر واستمرت الحالة حتى العام 2009، حينما بلغ العجز ما قيمته 1.5 بليون دينار.

هذه النتيجة الخطيرة لم تكن مفاجئة لمتابعي الشأن الاقتصادي، الذين توقعوا أن تتفاقم الحالة نتيجة تزايد النفقات الحكومية من 4 بلايين دينار قبل سنوات لتقفز من دون مبررات مقنعة، باستثناء تلك المرتبطة برغبة المسؤولين في الإنفاق كدولة خليجية حتى بلغ حجم النفقات في 2009 حوالي 6.1 بليون دينار.

وفاقم الحالة سوءا إهمال المسؤولين على مدى سنوات التحذيرات المتكررة من تنامي حجم الموازنة العامة من جانب بند النفقات، وعمّقتها المبالغة في تقدير حجم الإيرادات، حتى وصلنا إلى حال بتنا نخشى على هدم منجزات حققها الأردن في مجال الاستقرار المالي.

اليوم، الاقتصاد كمن يقف على رأس منحدر حاد، وأمامه خياران إما السقوط، أو البحث عن حلول تحقق التوازن للرجوع إلى الوراء لتلافي الخيار الأول.

ولا يبدو أن الأمر سهل، والمهم أن الحكومة الحالية تدرك مخاطر الوضع المالي ووضعت برنامجا وطنيا لعلاجه ابتداء من العام الحالي وحتى العام 2013.

وعلى الرغم من تعقد الحالة إلا أن تولي وزير المالية محمد أبو حمور هذه الحقيبة يقوّي الفرص بإمكانية تحقيق نتائج تخرج الاقتصاد من دائرة الخطر، فأبو حمور قاد تنفيذ برامج التصحيح الاقتصادي حتى العام 2004 واستطاع أن يصل بالاقتصاد إلى نتائج مرضية وتحديدا ما يتعلق بالدين والعجز.

حتى اليوم، اتخذت الحكومة سلسلة من القرارات السريعة لتقليل العجز باتجاهين هما ضبط النفقات وزيادة الإيرادات من خلال حزمتي الضرائب التي أقرتها في آذار وحزيران الماضيين.

وليس تقليلا من شأن تلك الخطوات، إلا أنها وحدها لا تكفي لعلاج مشكلة تعمّقت وتعقّدت على مدى سنوات، وما نحتاجه اليوم هو اتخاذ خطوات حقيقية تجاه المؤسسات المستقلة ليس فقط في مجال تخليص الموازنة العامة من بند دعمها بمقدار 351 مليون دينار، بل تقليص حجم موازنتها بحيث لا تتجاوز 1.5 بليون دينار.

وعلى الفريق الاقتصادي وضع مخطط للنهوض بقطاعات محددة مثل السياحة وتكنولوجيا المعلومات، وتحسين الجو الاستثماري وجذب استثمارات ذات قيمة مضافة للاقتصاد لناحية الإيرادات والتشغيل، فالمشاريع الحقيقية هي وحدها القادرة على حل مشاكل المالية العامة ومعضلتي الاقتصاد من فقر وبطالة.

المشاريع الكبرى والمضي في تنفيذها بشراكات حقيقية مع القطاع الخاص، يشكل أيضا طوق نجاة من المأزق الاقتصادي، فاقتصار الحلول على فرض الضرائب يقدم حلولا آنية، لكنها لا تمنع من عودة المشاكل مستقبلا.

المواطن قدم ما استحق عليه من فواتير لحل الأزمة، والشراكة الحقيقية بين الحكومة والمواطن تفرض عليها القيام بخطوات جادة تقدم أدلة دامغة للناس بأن الحكومة تطرق كل الأبواب للخروج من الأزمة.