فضيحة الإعتداء على الصحفيين في ساحة النخيل

فضيحة الإعتداء على الصحفيين في ساحة النخيل
الرابط المختصر

كنت أتمنى أن يمر اعتصام 15/7 في ساحة النخيل دون مشاكل خاصة مع الصحفيين ، فنحن " لا نريد جنازة لنشبع بها لطماً "، وكنت متحمساُ لخطوة الأمن العام في التنسيق وبحث التفاصيل الفنية والميدانية للإعتصام لتجنب أي إعتداءات على الصحفيين ، ولكن " تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن " وخاب الظن وسقطت الحكومة وأجهزتها الأمنية في الإختبار ، وأرجوهم أن يخرجوا علينا بتفسير لمجريات ما حدث !

ما حدث من إعتداءات على المحتجين أولاً وعلى الصحفيين كان صادماً ومؤلماً ولم يكن مبرراً على الإطلاق ، كنت شاهد عيان ووصلت مبكراً في حدود 12 ظهراً للتنسيق مع المكتب الإعلامي في مديريةالأمن ومساعدة الصحفيين في إستلام " ستراتهم " ،وسجل إلى ما قبل وصول المسيرة من المسجد الحسيني حوالي 250 صحفياً وصحفية استلم منهم 200 سترات مميزة باللون البرتقالي .

المعلومات الأولية التي إلتقطناها من موقع الإعتصام تفيد بأن 1200 رجل أمن عام عهد إليهم حماية وضبط الإعتصام في الميدان ، وكانت المعلومات المؤكدة بأنه لن يسمح بتاتا في الإعتصام المفتوح وقال لي مسؤول أمني " إذا حاول أحدهم نصب خيمة في الساحة فستزال فوراً وسيوقف من فعل ذلك"، وإلتقط الصحفيون صوراً لمدنيين يحملون خناجر وسيوف ممن يرفعون يافطات الولاء والإنتماء ويعارضون المسيرات الإحتجاجية وأبلغنا جهازي الأمن والدرك بهذه الواقعة وسلمت لهم نسخاً من الصور حتى يتخذوا إجراءات وقائية .

المهزلة والفضيحة بدأت حين وصول المسيرة بحدود الواحدة والنصف ظهراً سبقها سيارات وتجمع لعدد محدود ممن يعتبرون أنفسهم موالين ولم يكن يفصل بينهم سوى أمتار وكانوا يحاولون الإحتكاك بالمحتجين من شباب الحراك الشبابي ،والأمن يبذل جهوداً لمنعهم على طريقة " أرجوكم ما بيصير ..هذا الكلام عيب.. بعد شتائم من العيار الثقيل بحق المحتجين " وما هي إلا لحظة حتى تحول الشارع الموازي لساحة النخيل إلى ساحة حرب ، الشرطة المنضبطة والهادئة تنهال بالضرب بالهراوات "والقايش " وحتى أن أحدهم لم يجد سوى" كانون لشوي اللحم " لضرب المتظاهرين به ،وبالطبع تسلل مجموعة ممن يدعون الموالاة ليساهموا في الإعتداءات على المحتجين على طريقتهم مثلما جرى في دوار الداخلية .

الصحفيون كانوا الضحية الأولى فحين تحركوا للتصوير والتغطية كانت الهراوات السبيل لمنعهم وكل التعهدات بأن " السترات " ستميزهم وستنقذهم من الإعتداءات ذهبت أدراج الرياح ، وصاروا هدفاً سهلاً ، وأستقوى عليهم رجال الأمن وبعض " المدنيين " إن جازت هذه الكلمة ليس بالضرب فقط ولكن بإختراع أقذع الشتائم ،وحتى الزميلات التي لا تسمح تقاليدنا بالإعتداء عليهم كانوا أيضاً ضحايا " للرفش والضرب والسباب البذئ ".

لم أفهم كيف يعجز جهاز أمني محترف بالسيطرة وضبط الأمر قبل أن يدخل المحتجين إلى ساحة النخيل ..فهل كان هناك قراراً مسبقاً بتأديبهم لقطع الطريق على تضخم هذا الإعتصام ؟!

أما الإعتداء على الصحفيين فهو جزء من السيناريو فإذا كنت تريد طمس الحقيقة فإنك لن تستطيع أن تفعل ذلك وكاميرات الصحفيين في كل مكان ، فأصبحوا الهدف الآخر الذي لابد منه ، فرجال الأمن للأسف لا يؤمنون بحق الصحفيين بالتغطية وبأن هذا واجبهم وعملهم مثلما يفعل الشرطي في الميدان ، ويتصرفون على طريقة الفزعة وأنصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فإن شاهدوا رجل أمن بإحتكاك مع محتج أو صحفي فإنهم يتدخلون ليس للسيطرة وإحتواء الموقف بل لنصرة زميلهم ويؤجرون بضربه أيضاً .

إنتهت موقعة النخيل وبدأنا نحصي جرحانا ونتفقد ما حدث بالصحفيين واستمر السؤال لماذا نقضوا العهد بيننا وماذا سنفعل بعد ذلك ؟

ثقة الإعلام بالحكومة والأمن إنهارت وتحتاج إلى وصفة سحرية لترميم الجسور وإلى أفعال تعيد البناء ، ولكن قبل ذلك على الحكومة أن تتخذ تدابير لاغني عنها ، فهي مطالبة بتشكيل لجنة تحقيق مستقلة ، وبكف يد من يشتبه بمسؤوليته عن هذه الإعتداءات عن العمل ، وأن تمتد المحاسبة لتطال من أعطى الأوامر ومن نفذ ومن سكت عنها ، وأن تكون إجراءات التحقيق والمحاكمة علنية وأن يعوض الصحفيون الضحايا وأن ينصفوا .

من طرفنا لا نقبل بلجان تحقيق لا تفضي إلى نتائج ، ولن نسكت مقابل اعتذار خجول وباقة ورد ، والمطلوب أن نوثق كل الإنتهاكات التي وقعت ونذهب بها إلى القضاء فالردع لا يتحقق إذا أفلت الجناة من العقاب .

السبيل إلى مواجهة هذا الطيش في التعامل مع الإعلام هو في وحدة الجسم الإعلامي خلف مطلب أساسي وهو حرية وإستقلالية عمله ، وان نتذكر ونحن في هذه المواجهة أن هناك محاولات بدأت لزرع الفتنة في الوسط الصحفي ، وذر رماد التضليل وتزييف الحقائق آملاً في إنقاذ من سيطاح بهم في معركة الدفاع عن حرية الإعلام .