فصل في قصة «الانشقاقات» داخل الإخوان!
تتعرض جماعة الإخوان المسلمين في الأردن لانشقاقات “كبرى” منذ تأسيسها، لكنها شهدت “خروج” أعداد من قياداتها وأعضائها، بعضهم استقال منها، وبعضهم “اعتزلها” بشكل صامت، وآخرون فصلوا منها فيما اختار البعض أن يبقى فيها “عضواً” غير عامل.
وراء كل حالة “خروج” قصة، لكن حين تدقق في الاسباب تجد أن احداها له علاقة بالجماعة وسلوكياتها العامة، حيث يشكو بعض الذين “خرجوا” من “كولسات القيادات” والمحسوبيات داخل التنظيم، فيما يشكو البعض من “ضيق” الأطر التنظيمية التي تحول دون الاجتهاد والابداع، أما آخرون فيعزون انسحابهم الى “انحراف” الجماعة عن خطها الذي رافق تأسيسها، او الى انشغالها بالهمّ الخارجي على حساب الهم “الوطني” او الى سوء توزيع “المكاسب” او الى “اجتهادات” وانحيازات خاطئة لم يستطيعوا تحمل نتائجها، كما تجد أن ثمة اسبابا اخرى تتعلق بـ”الخارجين عنها”، فبعضهم وجد له فرصة في مكان آخر وفق حسابات المصالح، وبعضهم”تمرد” على تعليمات الطاعة ففصل، وبعضهم خرج لغايات انتهازية محضة.
من مدرسة “الإخوان” تخرّج الكثيرون، بعضهم ما زال يحمل “حنينا” لها في داخله، وبعضهم لا تعجبه المآلات التي انتهت اليها ويحاول ان يصحح من بعيد، وبعضهم “انقلب” عليها تماما وتحول الى “صفوف” خصومها، وآخرون آثروا ان يحتفظوا بـ”أسرارهم” أو يعضوا على جراحهم، ولم يجهروا ضد الجماعة بأي سوء.
يعتقد البعض أن أجيالا عديدة “تعلمت” وفق مناهج دراسية كان وراءها “الإخوان”، وان “حقبة” ما كانت الجماعة فيها ذات نفوذ بحيث مكنت الإخوان من التمدد في مجالات “التدين”، و مجالات التعليم والإعلام ايضا، وهنا فإن للإخوان وادبياتهم فضلا لا ينكر على “المجتمع”، لكن هذا الدور سرعان ما تراجع بعد ان دخل الإخوان في “حلبة” السياسة، وخاضوا الصراع مع خصومهم من اجل السلطة.. عندها تمت مواجهتهم ومحاصرتهم واضعافهم ولم يعودوا يملكون “النفوذ” الذي فتح لهم ابواب “التأثير” في العقود التي تحالفوا فيها مع الدولة.
كل ما ذكرته يبدو مفهوما على الأقل إلا أمرا واحدا وهو “الانقلاب” على الجماعة من قبل بعض الذين انخرطوا فيها لعشرات السنوات، وناهزت أعمارهم على الخمسين او الستين أو اكثر!!
أفهم - بالطبع - لماذا انشقوا عنها، لكنني لا افهم كيف تحولوا الى “أعداء” ألدّاء وكيف غامروا بكشف اسرار “جماعتهم” وكيف استعدوا عليها خصومها؟!
الذاكرة بالطبع مليئة بالأسماء، بخاصة الذين ينتهزون “فرصة” ضعف الجماعة او “مرحلة” استهدافها، لكنني اشير من خارج الحدود الى ما فعله رجل مثل “الهلباوي” أو “ابوالفتوح” في مصر.
على الطرف الآخر، لا افهم كيف “تقطع” الجماعة علاقتها مع ابنائها السابقين الذين اعتزلوها او انسحبو منها، وكيف تتحول الى خصم عنيد ضدهم، مع انها تستوعب غيرهم ممن لا علاقة لهم بها أو بمنهجها، ومع انه من المفترض أن يكونوا حلفاء لها ما داموا يعملون في الإطار الذي تدور فيه.
في الإطار الأكبر، حاولت أن التمس بعض “المؤاخذات” التي يدفع بها خصوم “الجماعة” ضدها على سبيل “الانتقاد” أو حتى “المناصحة” فوجدتها تتراوح ما بين اتهامها بأنها تنظيم عالمي ولا تحمل أي مشروع وطني، فولاؤها للأمة وليس للوطن كما يقال، واتهامها بأنها توظف الدين لأغراض سياسية وبمنطق انتهازي احيانا، وبأنها تسعى الى “اخونة” المجتمع وفرض “الطاعة” لها عليه، وأنها تملك عقلية “استحواذية” ولا تقبل الشراكة، وأنها غير واضحة في برامجها ومواقفها سواء باتجاه الآخر الوطني أو غير الوطني، وباتجاه مفاهيم مهمة للناس كالحرية والدولة والمجال الخاص للإفراد، زد على ذلك اتهامها بأنها “تمتطي” الديمقراطية مؤقتا ثم تتنكر لها بعد ان تضمن وصولها الى السلطة.
حين دققت في هذه الاتهامات وجدت أن بعضها مفهوم وصحيح، فيما بعضها الآخر يتفقد الى الصحة والصدقية، ولكن ثمة ما يسجل للإخوان ايضا على صعيد “النظافة” السياسية، وتحمل المسؤولية الوطنية، وضبط “ايقاع” التدين على مزاح معتدل، وتمكين القيم الفاضلة في المجتمع، وابراز “حالة” وحدوية داخل المجتمع ايضا.. وغيرها.
مناسبة هذا الكلام هو ما يتداوله البعض من تسريبات وتحليلات حول “قيامة” مبادرة زمزم، وامكانية انشقاقها عن الإخوان، ومع انني اتوقع ذلك في حالة واحدة فقط وهي “نجاح” المبادرة وتمكنها من التمدد داخل اوساط المجتمع، إلا أن تاريخ الانشقاقات داخل “الإخوان” يذكرنا بأن الذين خرجوا منها - مهما كانت اسبابهم وظروفهم - لم يزحزحوها عن مكانتها التي حافظت عليها على امتداد سبعة عقود، ولم ينقصوا من وزنها السياسي أيضا ولا من تأثيرها أو حضورها.
الدستور