عيدٌ مُختلف؟!
لا تتغيّر طقوس العيد، فيما أعتقد، إلا إذا وقع حدثٌ كبيرٌ يصنع انعطافة في حياة الأمة. وفي الحقيقة، حدَث شيء كهذا في جيل الآباء. وعندما جاء جيلنا المتوسط، سمعنا مرة شيئاً عن إلغاء الاحتفالات الرسمية بالعيد بسبب ظروف الأمّة. وكانت ظروف الأمّة التي اغتالت فرحة العيد، هي احتلال فلسطين والمسجد الأقصى، وهزائم العرب في 1948، و1967. وساد اعتقاد محقّ بأنّ من العَيب أن تتحدث أمّة عن الأعياد وأرضها محتلّة وكرامتها مستباحة.
ومن حين لآخر، ألغت الدّول الاحتفالات بالأعياد إذا تزامنت مع مذابح صهيونية في رقاب العرب. وتدرك الحكومات أنه ليس من الحصافة في شيء تذكير النّاس بوجيعة أصبحت واقعاً ينبغي التعايش معه، فقد ينتبه الناس إلى ذهاب بهجة العيد، ويسألون عن أسباب بقاء هذه الأسباب. وأتساءل الآن، من باب الفضول، كيف كانت أعياد أجدادنا قبل النكبة والنكسة، فأتذكر أن بلادنا كانت قبلهما تحت احتلالات الإنجليز، والفرنسيين، والطليان، وقبلهم الأتراك؛ فمن أين نجد شخصاً عايش العيد العربيّ قبل الاحتلالات، فنسأله؟
الآن، هناك انعطافات حادّة، ربّما تغير الإحساس بالعيد بعد أن تندمل الجراح الجديدة. فهناك التونسيون والمصريّون والليبيون، يجترحون أسباباً للاحتفال الحقيقي. وفي أماكن عربية أخرى، سيمرُّ العيد ولا يتوقّف عند المكلومين، ممن يواجهون القتل والقمع اليومي، وينزفون ليُطلعوا عيدهم، ولو متأخراً. وفي أماكن ثالثة، يترقّب مواطنونا شيئاً على قلق، ويأملون. ومن يدري، فقد تذهب أخيراً مسببّات ذهاب البهاء عن الاحتفال، وتصبح جزءاً من الذاكرة.
على العُموم، ولتغيير المزاج، أرسُم صورة للعيد الأردني، كما وصفه لنا صديق مَرح. ومع أنّنا نعرف كيف هوَ عيدنا، تهيأ لما أن ما رسمه بالكلمات جديد. قال إنّ الوالد "العود" يفضّل أن يرتدي الثوب العربي والعقال والكوفيّة يوم العيد، حتّى لو أنه يرتدي الملابس الإفرنجية في باقي الأيام. ويكون قد رتّب مع الأبناء قبل يوم أن يتجمّعوا عنده صباح العيد بعد الصلاة، حتّى يتمّوا "لفّة العيد" باكراً. وغالباً، يرتدي الأبناء بذلات غامقة، وربطات عنق (من درجات الأحمر، لسبب غير معلوم). وحبّذا لو كان الحذاءُ أيضاً من النّوع شديد اللمعان المعالج في الليلة السابقة.
وعادة، يفضّل الوالد أن يذهب هو والأبناء في سيّارة واحدة، وحبذا لو تكون أفخر سيارات الأبناء وأكثرها حداثة. أمّا إذا لَم تتوفر، ففي سيارة "بك أب" مُستعارة أو باص صغير بالأجرة. ودائماً، يجلس الوالد في الأمام، إلى جانب السائق، ويسند ذراعه على الشُباك، ويكون قد رتّب أولويات البيوت التي سيزورها حسب التوزيع الجُغرافي، لضمان تقصير الطّريق. ويكون الوالد ومَن يعملون من الأبناء قد "فرطوا" العيديّات إلى خمسات وعشرات وعشرينات، ووزعوها على جيوب مختلفة معلومة لتجنّب الخَلط والإحراج في المَوقع. والقليلون يستعملون الخمسينيات. أمّا العشرينيات فللقريبات من الدرجة الأولى، والعشرات لبناتهن، والخمسات للصّغار. وعادة ما يستل الزوّار ورقة العُملة من الجيب المقصود، ويدسّونها "مكرمشة" في يد القريبة عند المُغادرة.
في زيارة العيد، يحمل الأب والعزوة علباً من الشوكولاتة الرّخيصة، ملفوفة بعناية في ورق هدايا لامع ومورّد. وكثيراً ما يكونون قد تلقوها سابقاً في مناسبات، وأبقوها بلفتها لمعرفتهم أنّه ليس فيها ما يُغري. وفي الغالب، تكون فترة صلاحيتها قد انتهت، وقد يكون بينها "سلفانا" أو "ناشد إخوان". ويفضّل أن ينتبه الواحِد، فلا يعيد العلبة لنفس الشخص الذي كانَ قد جلبها له سابقاً. ولا بدّ من تَناول كميّات من القهوة العربية والكعك والمعمول من كلّ بيت، وإلا اعتبرك المضيفون قليل اللباقة. وإذا كان التلبّك المعوي والمغص قد بدءا بالعمل، يترخّص الزائر بحمل أكوام الشوكولاتة في جيوبه. ومع الوقت وحرارة الطّقس، "تسيح" الشوكولاتة، فتتلف ملابس العيد. ومن الأضرار الجانبية الأخرى، التقاط العدوى من التقبيل وفناجين القهوة، أو التعرض لحادث سير. وبرخصة العيد، يمكن ركن السيارة على باب كراجات الناس وحبس سياراتهم. فالدنيا عيد..!
أتوقع أن يكون هذا العيد أيضاً كذلك. فحتّى الآن، ما نزال في انتظار انعطافة تغيّر شيئاً في طقوسنا المكررة، ونتمنّى أن يكون عيدنا المقبل كرنفال فرح حقيقي. كلّ عام وأنتم بخير..!
الغد