عودة بني ارشيد
من المفترض أن يختار شورى حزب جبهة العمل الإسلامي اليوم المكتب التنفيذي الجديد مع إقرار اختيار مجلس شورى الجماعة للأمين العام الجديد للجبهة زكي بني ارشيد.
أمام التيار الإصلاحي (المعتدلين) خيارات محدودة وواضحة؛ إمّا استحضار وصفة الجماعة غير الناجحة، بتشكيل خلطة من التيارين، أو محاولة انتخاب أغلبية مكتب تنفيذي منهم، واستعادة تجربة المرحلة السابقة عندما اصطدم المكتب مع بني ارشيد، وتمّ حله والتوافق على شخصية د.إسحاق الفرحان للخروج من الأزمة، وهنالك خيار قد يكون بعيداً، غير مطروح، ضمن المعطيات الحالية، ويتمثل برفض قرار شورى الجماعة وقيام شورى الحزب بممارسة حقه القانوني (الطبيعي) باختيار أمين عام.
في ضوء هذه الخيارات، فإنّ الوصفة الأفضل، في ظني، تتمثّل بأن يمنح التيار الإصلاحي زكي بني ارشيد الفرصة لاختيار مكتبه التنفيذي، الذي ينسجم معه، لمواجهة المرحلة المقبلة واستحقاقاتها المتمثلة بالانتخابات النيابية، وأن يحتفظ الإصلاحيون بموقع المعارضة الداخلية، ليس فقط في الجبهة، بل حتى في الجماعة، مما يعني الانسحاب الإيجابي (الودّي) من المكتب التنفيذي للجماعة، حتى يتمكّن التيار الآخر من امتلاك فرصته كاملة أمام الرأي العام والقواعد لتنفيذ أجندته.
ستمنح للإصلاحيين الفرصة الكاملة لإعادة بناء قواعدهم وتصحيح الصورة الحقيقية عنهم داخل الجماعة والحزب، وتعزيز خطابهم الفكري والسياسي الجديد، وتمكين حضورهم الإعلامي أمام الرأي العام، وهي مهمة أكثر قداسة وعمقاً من استمرار المطاحنة غير المنتجة مع التيار الآخر على القيادة، مما يضعف الحركة بصورة كبيرة، ولا يستفيد منها أحد. لدى الإصلاحيين رموز وقيادات ومفكرون يمثلون قامات وطنية، وليس فقط إسلامية، ولديهم مهمة تنويرية وإصلاحية داخل المجتمع، ويمكنهم تقديم خطاب سياسي وفكري متميّز، وربما وجودهم خارج القيادة، وبعيداً عن الصدام الداخلي المستنزف، سيمنحهم وقتاً أفضل ومرونة أكبر لهذا الإنتاج الفكري المنتظر.
الأزمة داخل الحركة الإسلامية (منذ سنوات) أعادت هيكلة طبيعة العلاقات الداخلية، وأفرزت شروطاً أخرى للمرحلة المقبلة، في مقدّمة ذلك تكريس حضور تيارين رئيسين، لكل منهما قيادته وأجندته وخطابه، والمرجع العملي بينهما هو العملية الديمقراطية الداخلية، التي يجب أن تحكم العلاقات الداخلية، وتمثل خياراً وحيداً بدلاً من الانفصال أو الانشقاق، ما يعزّز ثقة الحركة بنفسها وبآلياتها الداخلية. النموذج التاريخي للجماعة لم يعد موجوداً، وليس هنالك معتدلون ومتشددون (اصطلاح لم يعد قائماً)، هنالك تياران؛ الأول إصلاحي، والآخر وحدوي كما يطلق عليه مقربون منه، يتنافسان، لكن المهم أن يقبل الطرفان (في النهاية) نتائج الانتخابات الداخلية، وألا يعمل طرف ضد الآخر في الانتخابات، كما حصل في الانتخابات النيابية السابقة، عندما عطّلت الأزمة الداخلية قدرات الحركة في الحملة الانتخابية وأضرّت بها كثيراً.