عودة الخطباء الممنوعين أم إصلاح المؤسسة الدينية؟

عودة الخطباء الممنوعين أم إصلاح المؤسسة الدينية؟
الرابط المختصر

آخر ما سمعته من وزير الاوقاف السابق الدكتور عبدالسلام العبادي هو دعوته - وبالحاح - الى اصلاح المؤسسات الدينية في بلدنا.

كان - بالطبع - لدى الرجل ما يثبت أن مؤسساتنا هذه تعرضت لاصابات عديدة أفقدتها القدرة على القيام بدورها الحقيقي في بناء واحياء الوازع الديني والاخلاقي للناس، وخاصة أجيالنا الشابة.

مواجهة اخواننا في “السلطة” الدينية بالحقائق تبدو مهمة صعبة، فأنا - مثلا - استطيع ان انتقد أداء مؤسساتنا السياسية، وقلما اتلقى ردوداً أو احتجاجات إلا في اطار التوضيح، لكن حين اسمح لنفسي ان أتعرض بالنقد لاداء احدى مؤسساتنا الدينية اسأل الله تعالى ان يمر اليوم على خير وألا اتلقى - كما حصل اكثر من مرة - دعوة تخرجني من “الملة” الوطنية او الدينية او - على الاقل - بعد “ملتي” الصحفية.

لا بد وان المسؤولين في بلدنا يعرفون تماما تفاصيل ما حدث في مؤسساتنا الدينية، واتوقع ان يكونوا أحرص مني على معالجاتها، ولهذا اكتفي بالتنويه والتذكير، ولكن ما دفعني الى التذكير بهذه التصريحات التي اطلقها وزير الاوقاف الجديد، الدتور محمد نوح القضاة، حول “اعادة” الخطباء الممنوعين من الخطابة، وكانت مناسبة ذلك وفاة العلامة الدكتور ابراهيم زيد الكيلاني، رحمه الله، فقد ذكر ان الفقيد انتقل الى الدار الآخرة وهو ممنوع من الخطابة.

للتذكير فقط، لدينا اكثر من 2000 مسجد بلا أئمة وبلا خطباء، ولدينا نحو هذا العدد وربما اكثر من خريجي كليات الشريعة، وخاصة من حملة الماجستير والدكتوراه، وبعضهم ممنوع من الخطابة في المسجد، أو محروم منها لاسباب غير مفهومة، فيما يتعلق بالممنوعين فان اسباب الوزارة واضحة وهي انهم “خرجوا على تعليمات الخطابة بالوزارة” بمعنى انهم “اقترفوا” الحديث في السياسة، او انهم من “المنتسبين” الى حركة الاخوان المسلمين، وفي مرات سابقة تم اعادة بعضهم، ثم جرى منعهم للاسباب ذاتها، اما فيما يتعلق بالمحرومين، فلدى الوزارة “ذرائع” غير مفهومة تمنعها من الاستفادة منهم، واعتقد ان هذه المشكلة الادارية يمكن تجاوزها سواء برفع المكافأة التي يستحقها هؤلاء، أم بمنحهم ما يكفي من ضمانات للتعبير عن افكارهم فوق المنابر دون تدخل او باستقطابهم “كمتطوعين” وتقديم حوافز لهم، كالمشاركة في الحج أو العمرة أو غير ذلك.

هناك ضرورة لفصل “الشؤون الدينية” في وزارة الاوقاف عن “الاوقاف والمقدسات الاسلامية” وان تنشأ هيئة مستقلة “للائمة والخطباء” يشرف كما اقترحنا سابقا عليها مجموعة من العلماء المستقلين، (مثل الهيئة المستقلة للانتخابات)، واذا اضفنا لذلك ولادة “نقابة” الائمة والعاملين في الاوقاف، فاننا سنكون امام خطوة لاصلاح المؤسسة “الرسمية” الدينية، يمكن البناء عليها وتطويرها.

اذا سألتني لماذا أدعو الى اصلاح مؤسساتنا الدينية، فانني اعتقد بأن ما أصاب منظومتنا الاخلاقية من تراجع، وما دفع “حالة” التدين في بلادنا الى الانحصار في “الشكل” والطقس على حساب المضمون والسلوك، سببه الاهم هو: ضعف هذه المؤسسات وارتباكها في الاداء والخطاب وعدم قدرتها على اقناع الناس “بالدين” الذي ينتج الاصلاح والتغيير، لا ذلك الذي يستخدم للاستهلاك فقط، وبتعطل المؤسسة الدينية عن العمل تعطلت المؤسسة التعليمية ايضا، واصبحنا امام مجتمع “خال” من التنوير ومن كثير من القيم، وفاقد “للحصانة” الذي تمكنه من العمل والبناء والتكافل والتعاون وقبل ذلك الفهم للدين كباعث حضاري، وللعلم كأساس للتقدم، وللاخلاق كمنظومة “حارسة” للعمران.

لا أدري اذا كان الدكتور القضاة سيلتقط هذه الفرصة لبعث الروح في “حياتنا” الدينية التي أصابها الركود، ولخطابنا “المنبري” الذي فقد قدرته على التأثير والاقناع، وللدعوة الاسلامية التي تراجعت بفعل الاهتمام “بالوقف” على حساب “التنوير”، لكنني لن أمل في الدعوة لذلك، لأنني - كما قلت - اعتقد بأن جزءاً من “خرابنا” تقع مسؤوليته على مؤسساتنا الدينية، وبأن الطريق الى الاصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي يمر _ بالضرورة - باصلاح المؤسسة الدينية واعادتها الى سكتها الصحيحة.

الدستور