عن "النخبة" الغائبة والمغيّبة!

عن "النخبة" الغائبة والمغيّبة!
الرابط المختصر

في مقاله عن "النخبة والخروج من الأزمات"، يتحدث مفتي الديار المصرية الشيخ علي جمعة، عن دور النخبة في مرحلة الأزمة. إذ إنّ الحديث عن الديمقراطية والسيادة الشعبية لا يلغي بحال من الأحوال الدور المركزي والمحوري الذي تقوم به النخب، ليس فقط في الأزمة، بل في المحطات واللحظات التاريخية المهمة.
النخب ليست فقط سياسية، بل حتى على الصعيد الاجتماعي والديني والفكري والثقافي، فهي التي تمثل مرجعاً موثوقاً للناس، وتمتلك حضوراً خاصاً، يمكّنها من الإمساك بمفاتيح الحلول والمسارات المطلوبة.
لا توجد بالضرورة مسطرة واحدة يمكن أن تضع لنا معايير تحديد النخبة ومقاييسها. ففي كل مرحلة تاريخية أو شأن ربما نجد نخباً مختلفة عن الأخرى، وبصفات مغايرة. هذا لا ينفي أنّ هنالك صفات أساسية يجب أن تتوافر في كل النخب المطلوبة، وفي أي مرحلة تاريخية.
في مقدمة هذه الصفات، المصداقية والثقة والاحترام من قبل الناس. وهذا الشرط مرتبط، اليوم، بدرجة رئيسة بنظافة اليد والسيرة والسلوك، بخاصة مع انتشار الفساد. إذ بات جزء كبير من الطبقة السياسية محل علامات استفهام وتعجب في نظافة اليد، أو في المصداقية، بخاصة أولئك الذين يحاولون القفز من قطار إلى آخر، ويبدلون مواقفهم كما يبدلون قمصانهم، فهؤلاء لن يكونوا في أي وقت من الأوقات محل ثقة الناس وقبولهم الحقيقي.
من الصفات الرئيسة للنخبة، الجرأة والشجاعة والمبادرة. فلا يمكن للجبان أو المتردد أو من يفتقد إلى المبادرة أن يقود المجتمعات والشعوب إلى برّ الأمان. ففي أحيان هنالك معارك يجب أن تخاض مع السلطة وأجهزتها، لانتزاع الحريات والحقوق، وفي أوقات أخرى هنالك معارك مع الثقافة السائدة، لشق طريق التنوير، ومرّة ثالثة مع الأحزاب والقوى المتكلسة، التي أصبحت كالنظم تدافع عن الأمر الواقع لعجزها عن "إحداث الفروق المطلوبة". 
الصفة الثالثة هي العلم أو الحكمة. فمن غير الممكن أن يستبصر للناس الطريق من هو أمي جاهل أو من لا يملك الحكمة والخبرة والبصيرة. بل على النقيض من ذلك، فإنّ النتائج قد تكون عكسية تماماً في حال تقدم الركب من لا يمتلك البصيرة أو يفتقد الحكمة.
في الأردن؛ ثمة شعور أنّنا نفتقد إلى هذه النخبة القيادية، بدرجة رئيسة في المشهد الرسمي وما حوله، وإلى عدم اجتماع الشروط الثلاثة: النزاهة والثقة، الجرأة والمبادرة، العلم والحكمة. فقد تتوافر بعض الشروط في شخصيات، لكنّها تفتقد إلى صفات أخرى.
بلا شك، لدينا نخب قيادية وشخصيات عامة محترمة، ويمكن أن نعدّ الآن مئات منها عبر السنوات الماضية، إلاّ أنّ تأثيرها وحضورها في المشهد ضعيف، وهو ما تتحمل هي جزئياً مسؤوليته، لأنّ كثيراً من هؤلاء مستنكفون. لكن الخطأ يقع، أيضاً، بالدرجة الرئيسة على عاتق "السيستم"، الذي يخلق مناخا عاما في البلاد، يحارب القيادات النخبوية الحقيقية، التي تملك أن تؤدي دوراً حيوياً في المسار العام للبلاد، ويقدّم بدلاً من ذلك من هم أقل خبرة وكفاءة ومن لا يعرفون بالنزاهة، ولا يتحلون بالشجاعة والجرأة.
المفارقة أنّ الأردن خلال العقود السابقة خرّج أجيالاً من القيادات المتنوعة، سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً، ودينياً وإعلامياً، بل وصدّرها إلى العالم العربي والإسلامي، وتحظى بحضور كبير في الخارج، لكنه في الداخل يتقن دفن القيادات أو تحطيمها وتدميرها، أليست هذه هي بعينها "عبقرية الفشل"!

أضف تعليقك