عن المشاركة والمقاطعة و«مصلحة الوطن»

عن المشاركة والمقاطعة و«مصلحة الوطن»
الرابط المختصر

لا أحد يريد أن يصدق أن قانون الانتخاب الحالي هو نهاية مطاف عملية الإصلاح السياسي والتحوّل الديمقراطي في البلاد...لا أحد يؤمن بأن البرلمان السابع عشر، سيكون “التتويج” لكل ما نادى به الأردنيون وبُحّت من أجله حناجرهم طوال عام ونصف العام من الاجتماعات والاعتصامات والتظاهرات واللجان والمبادرات.

في التعبير عن “حالة الإنكار” هذه، يأخذك محدثوك في كل اتجاه، يعرضون عليك سيناريوهات من لون وجنس...بعضم ما زال يأمل بأن يدعو الملك مجلس النواب إلى جلسة استثنائية ثانية هذا العام، تناقش إلى جانب قانوني الضمان الاجتماعي والمالكين والمستأجرين، قانون الانتخاب من جديد...بعضهم يقول إن البرلمان ما أن يدركه الأول من أكتوبر/تشرين أول القادم، حتى يدخل في دورته العادية الثانية، وكأن شيئاً لم يكن، مراهناً على “خيار التأجيل”...بعضهم الثالث يتنبأ بقرب إعلان حالة الطوارئ التي قد تُوفر ملجأ للخروج من أزمة القانون وتفضي إلى إرجاء الاستحقاق الانتخابي، بدواعي تطور الأوضاع الأمنية في سوريا ظاهراً، ولأسباب تتعلق بالرغبة في تفادي إجراء انتخابات وسط مناخات المقاطعة الكبرى لنأتي إلى برلمان بلا نصاب سياسي.

الخلاصة التي لا يريد أحدٌ أن ينتهي إليها هي أن يلتئم عقد الانتخابات من دون أن يلتئم عقد الأردنيين...وأن ننتهي لبرلمان “خالٍ من الدسم” ومطعون في تمثيليته...لا أحد يريد أن يرى الانتخابات جزءا من المشكلة ونحن ننتظرها كمدخل للحل ومخرج من الاستعصاء.

لكن يبدو أن “العد التنازلي” للانتخابات قد بدأ فعلاً، وأن مقاطعة طيف واسع من القوى والشخصيات والفاعليات السياسية والاجتماعية، حاصلٌ لا محالة...وهو ما بدأنا نلحظه في المواقف وردات الأفعال وحملات التجييش ضد المقاطعة والمقاطعين والمزاعم بأن “المقاطعة لا تخدم مصالح الوطن”.

والحقيقة أن السؤال الذي يؤرقنا ليس سؤال المقاطعة أو المشاركة...بل سؤال “ما هي مصالح الوطن؟”،

ومن الذي يخدمها ومن الذي يلحق أفدح الضرر بها...لأن البعض منّا يتصرف كما لو أن مصالح الوطن تسير في ركاب الحكومة أية حكومة، وفي ركابها وحدها دون غيرها، أما الضرر، أشد الضررة بهذه المصالح فلا يتأتى إلا ببقاء المعارضات على مواقفها ومواقعها في خندق المعارضة، فأي افتئات أكبر من هذا على الحقيقة و”مصالح الوطن”.

المقاطعة، كما المشاركة، حق ديمقراطي، يحق لكل فرد أو جماعة أن يمارس أيٍ منهما، بحرية ومن دون إكراه، أو اتهامات أو ابتزاز...والمقاطعة في ظل القانون الحالي للانتخابات، هي خيار أصوب -من وجهة نظرنا- من خيار المشاركة، فلا يجوز أن تظل الحكومة، هذه أو غيرها، تتصرف على أن بمقدورها أن تفعل ما تشاء وما على الآخرين سوى الالتحاق بخياراتها في نهاية المطاف، وعن يدٍ وهم صاغرون.

إن أفدح الضرر الذي أُلحق بمصالح الوطن، إنما يتجلى في الإصرار على إنفاذ قانون الانتخابات بطبعته غير المزيدة وغير المنقحة...الإصرار على الصوت الواحد الذي لم يدفن بعد...الأصرار على تقسيم الأردنيين شيعاً وقبائل ، ...الإصرار على تجاهل مطالب الأحزاب والمجتمع المدني والحراكات الشعبية بل وأركان من الدولة والنظام...هنا وفي هذه النقطة بالذات، تقع الإساءة الأكبر لمصالح الوطن والمواطنين.

أما المقاطعة، فليست سوى رد فعل لا أكثر...صحيح أنه رد فعل سلبي، ولكنه لم يكن خياراً بل ضرورة بعد أن بلغ العناد والتشبث بالصوت الواحد مبلغه...وبعد أن تأكد أن سقف التوقعات الإصلاحية قد بات خفيضاً للغاية...وأن انتخابات في ظل هذا القانون، سترجئ استئناف الحراك الإصلاحي حتى إشعار آخر.

ستكون انتخابات، وسيكون إقبال ضعيف.....سيكون لنا برلمان جديد، بمواصفات البرلمانات القديمة، وسيخضع للبحث والدراسة والاستطلاع، وسيحظى بدرجة متدنية من الثقة، وسيكون هدفاً للحراكات حين تجدد نشاطاتها بعد الانتخابات، وسنقرأ من جديد شعار “الحل بالحل”....والأرجح أن البرلمان السابع عشر لن يكمل ولايته الدستورية الممتدة لأربع سنوات، وستُلقى على كاهله أوزار تقصير مؤسسات الدولة وهيئات صنع القرار، وسنعيد إنتاج “المسرحية” المملة إياها مرة أخرى، من دون إضافة إبداية أو حتى “ارتجال” من النوع المحبب على خشبة المسرح.

ما الذي سنكون قد جنيناه من حل البرلمان وتبكير الانتخابات؟...ما الفائدة بأن ننهى على مجلس ونأتي بمثله...أليس من الأجدى لو أبقينا البرلمان الحالي حتى نهاية ولايته؟

ما زال في الوقت متسع لإدراك ما يمكن تداركه، ما زال في الصدر فسحة من أمل، وما زال في العقل مساحة للرهان على يقظة صوت العقل والحكمة، وقبل فوات الأوان.

span style=color: #ff0000;الدستور/span