عن أي إنجاز تتحدث الحكومة؟!
التغييرات على اجراءات العملية الانتخابية شكلية ولا تضمن نزاهة الانتخابات .
من كان يستمع ويشاهد نشرة أخبار الثامنة على شاشة التلفزيون الأردني يوم الثلاثاء الماضي يُخيّل اليه ان الاردن يسن لاول مرة في تاريخه قانونا للانتخابات العامة, فقد استهل المقدم النشرة بتلاوة نص القانون كاملا الذي يتكون من 54 مادة ونظرا للطبيعة الجامدة للنصوص القانونية فقد استغرقت قراءة النص حوالي 45 دقيقة!.
الخطوة التي اثارت استغراب الكثيرين تأتي في سياق رغبة الحكومة بحشد التأييد الشعبي للقانون وتقديمه على انه انجاز غير مسبوق "هكذا وصفه احد الوزراء". لكن وعند الدخول في تفاصيل "الانجاز" تهرب الحكومة من الرد على الانتقادات الموجهة لنظام الصوت الواحد بصيغته المعتمدة في القانون, لا بل تعتبرها انجازا مقارنة مع نظام الصوت الواحد "المجزوء" الذي كان معتمدا في القانون السابق. وتعبير "المجزوء" لم يكن لأحد من الوزراء ان يتجرأ على استخدامه في وصف القانون السابق عندما كان قائما, اما وقد اصبحنا بحاجة الى أي وسيلة للدفاع عن النظام الجديد فلا بأس من الهجوم على "السابق" ونعته "بالمجزوء" وقد قال المسؤولون في الماضي القريب انه النظام الاكثر عدالة وتحقيقا للمساواة!.
وفي معرض دفاعها عن القانون تركز الحكومة على التغييرات التي ادخلت على الاجراءات المتعلقة بالعملية الانتخابية.
اعتقد انه باستثناء "تصويت الأميين" - هذا اذا تم الالتزام بها - فان ما تبقّى امور شكلية, خذوا مثلا مشاركة القضاة في لجان الانتخاب والفرز, ففي القانون السابق كان القضاة اعضاء في اللجان, وفي القانون الحالي اصبح القاضي نائبا لرئيس اللجنة والمعروف ان الصلاحيات هي بيد رئيس اللجنة ووضع القاضي نائبا لن يختلف عن كونه عضوا.
وتُسّوق الحكومة المقاعد الاضافية الأربعة على انها "مراعاة لكثافة الناخبين المسجلين في بعض الدوائر" والحقيقة غير ذلك بالطبع. واعتقد ان الحكومة اخطأت في اللجوء الى هذا التبرير, لأنه سيستخدم ضدها في المستقبل من اطراف معروفة للمطالبة بزيادة حصة دوائر اخرى في عمان والزرقاء والبلقاء توصف "بالكثافة السكانية" ولم تحصل على حصتها العادلة من المقاعد وفق قاعدة "المحاصصة" هذه.
اما تغليظ العقوبات في جرائم الانتخابات خاصة "شراء الأصوات" فان المشكلة في الأساس لم تكن في عدم وجود عقوبات رادعة وانما عدم توفّر الارادة الكافية لمواجهتها, كما ان عمليات شراء الأصوات لا تتم بالطرق التقليدية ويوم الاقتراع بالذاّت, فهناك مرشحون - خاصة من فئة رجال الأعمال - يلجأون الى الشراء المسبق وقبل الانتخابات باشهر عن طريق تقديم "المساعدات" العينية والنقدية للناخبين او تقديم وظائف في القطاعين العام والخاص, وهذا النوع من شراء الأصوات يجري الآن على قدم وساق في مختلف المناطق. ناهيك عن ان نظام العقوبات المعتمد في القانون يفتقر الى آلية خاصة لمراقبة الحملات الانتخابية وضبط المخالفين.
وأطرف ما سمعت من تحسين على اجراءات العملية الانتخابية هو "توسيع دائرة الاشراف الحكومي على العملية الانتخابية بإضافة عضو من وزارة التنمية السياسية الى لجنة الانتخاب العليا". فما هي القيمة التي يمثلها هذا الانجاز ما دامت اللجنة حكومية في الأساس وكل من فيها موظفون حكوميون سواء كانوا من "الداخلية" او "التنمية السياسية" او أي وزارة اخرى؟
الجوانب الاساسية في العملية الانتخابية لم تشهد أي تغيير, ولو حدث هذا لعوّضنا قليلا عن مساوىء النظام "الوهمي" واقصد الجداول الانتخابية وآلية الاعتراض والنقل وغيرها من التشوهات القائمة حاليا بفعل تجاوزات رافقت عملية التسجيل والنقل قبل انتخابات .2007 فقد قررت الحكومة اعتماد هذه الجداول والركون الى الصيغة التقليدية نفسها في الطعن والشطب التي يستحيل معها اكتشاف الأصوات "المرحّلة" خاصة في المناطق الكبرى كدوائر عمان والزرقاء.
اما ما تبقى من تغييرات في الاجراءات فجاءت شكلية في معظمها, ولا تتعدى تعديل تمديد فترات الترشح والانسحاب.
قانون الانتخاب الجديد اعتمد صيغة رجعية ومحافظة لا تحقق الهدف من تعديله, وما يقال عن تطوير اجراءات العملية الانتخابية فهو شكلي ولا يضمن نزاهة الانتخابات فعن أي انجاز تتحدث الحكومة?!.