عندما نخطئ في المبالغة الإعلامية بالحرص على الحياد

عندما نخطئ في المبالغة الإعلامية بالحرص على الحياد
الرابط المختصر

يبدو أن الحرص الشديد من عدم الوقوع في مخالفة قانون الدعاية الانتخابية، أفقد المجتمع الأردني كمّا كبيرا من المعلومات المهمة والتي يحتاجها كي يقوم بدور مسؤول في الانتخابات النيابية القادمة، وذلك بسبب الامتناع الكامل عن نشر أي خبر يتعلق بالمرشحين للانتخابات قبل بدء المهلة الرسمية للانتخابات.

قانون الانتخابات الأردني واضح في تحديد فترة البدء بالحملات الانتخابية للمرشحين بشهر قبل عملية التصويت وهذا أمرا جيد، ولكن الخطأ يقترفه الصحفيون في امتناعهم عن القيام بواجبهم المهني والأخلاقي بتزويد الجمهور بالمعلومات الكافية فبما يخص المرشحين وتحركاتهم وتحالفاتهم وترتيب مواقعهم على القوائم الانتخابية حتى قبل البدء بالحملة الانتخابية.

ويزداد الموضوع أهمية كون الانتخابات في هذه المرة تجري على مستوى الدوائر المحلية والقوائم الوطنية المغلقة، ففي السابق كما هو الوضع الآن من السهل على المواطن أن يعرف المرشحين في دوائرهم كون الدوائر محلية والمرشحين غالبا ما يكونون معروفين لدى أبناء وبنات تلك الدوائر، ولكن وجود قوائم وطنية مغلقة يعني أنه سيتم ترشيح أشخاص لا يعرفهم كافة سكان الوطن وبترتيب يتم تحديده من قبل الأحزاب أو رؤساء القوائم دون أن يكون للمواطن أي رأي.

 وإذا انتظرنا لبدء العملية الدعائية فإن القوائم ستكون مشكلة ومغلقة وسيصعب على المواطن أن يؤثر على تشكيلتها، فضلا عن أنه من الصعب أن يعرف المواطن في الكرك ما يجري في الغرف الحزبية المغلقة في عمان أو اربد.

المهم في الموضوع هو وضع الخط الفارق بين الدعاية الانتخابية وبين العمل الصحفي المستقل، فالصحفي ملزم بتوفير المعلومة للمواطن وغير مقيد في هذا المجال بالذات بأي من الضوابط المتعلقة بالدعاية الانتخابية.

فإذا ما قرر الصحفي مثلا نشر اسم المرشحة الوحيدة في الأردن التي سترأس قائمة وطنية، وهي المذيعة التلفزيونية رولا حروب، وإذا اقتنع رئيس التحرير وبدون ضغوط مالية أو غيرها لنشر الخبر بسبب قيمته الإخبارية ومن منطلق حق المواطن في المعرفة، فإن له الحق بل الواجب عليه، بتوفير تلك المعلومة للجمهور.

وإذا ما اكتشف صحفي ما أن المعارض والناشط علاء فزاع قد قرر أن يتحالف مع الناشط العمالي محمد سنيد ويضعه كرقم 2 في قائمته الوطنية، فإن ذلك من حق المحرر- إذا اقتنع بالقيمة الإخبارية لذلك الخبر- بنشره بدون أن يكون ذلك مخالفا لا لروح ولا لنص القانون الذي يحذر من الدعاية الانتخابية قبل شهر من موعد التصويت.

قد يقول قائل بأن تلك الأخبار هي عبارة عن "تلميع" للمرشحين وبذلك تميزهم عن غيرهم، والرد بأن ذلك قد يكون صحيحا لو كان النشر من قبل المرشح أو بتمويل منه أو بإيعاز منه، ولكن إذا كان النشر مبنيا على قناعة الصحفي ومحرره بالقيمة الإخبارية، وبالفائدة المضافة للجمهور من ذلك النشر، فإن النشر يعتبر مسموحا به بل من واجب الإعلامي، بتوفير تلك المعلومات للمواطن حتى قبل البدء بالعملية الانتخابية.

لقد فقد الجمهور الأردني فرصة مهمة جدا بأن يلعب دوارا فعالا في عمليات اختيار المرشحين وترتيبهم في القوائم المغلقة بسبب هذا الفهم الضيق لدور الإعلام والتخوف غير المبرر من الوقوع في فخ الدعاية الانتخابية ولو من جانب الحرص على الحياد.

إن ذلك الحرص المبالغ فيه على الحياد يشكل عمليا ضررا لحق المواطن بالمعرفة، فالواجب الأول والأخير على الصحفي والإعلامي وعلى المحرر والناشر المستقل هو توفير المعلومة بكافة تفاصيلها للمواطن وذلك من خلال نشر كل ما يتعلق بالعملية الانتخابية وعمليات الترشيح والترتيب شريطة أن تكون قرارات النشر نابعة عن حق المواطن في المعرفة وليس بسبب الرغبة بتقديم خدمة لهذا المرشح أو ذاك .

قد يعني هذا أن تقوم وسائل الإعلام بالنشر الموسع لكافة أخبار المرشحين المتوفرة لها وبغزاره بحيث لا تعطي أي انطباع بالتحيز لهذا الفريق أو ذاك.

أما إذا كان الصحفي أو المحرر أو الناشر غير قادر على التمييز الصادق بين الخبر والدعاية فقد يكون من الأفضل أن يتم الامتناع عن النشر حتى البدء بفترة الدعاية الانتخابية.

*مديرعام راديو البلد و موقع عمان نت

أضف تعليقك