على هوى الأردنيين

على هوى الأردنيين
الرابط المختصر

جميعنا يريد إصلاحاً أردنياً يشبه الأردنيين. لكنْ ماذا يعني ذلك في ظل حالة التشتت في الرؤية والأولويات وتقاطع الأجندات وتعاظم الإحباط؟ وهل أصبح خلق توافق وطني حقيقي بهذه الصعوبة؟

أنْ يكون الإصلاح وطنياً يعني أولاً أنه لا بد أنْ ننسى وإلى الأبد القسمة البائسة التي تقول إنّ المتحفظين على الإصلاح والأقل حماسة له هم الأكثر ولاء وانتماء ووطنية، وأنّ الداعين للإصلاحات مدعوّون لإثبات نواياهم وبراءة ذممهم تجاه الوطن!

وأنْ يكون الإصلاح وطنياً يعني ثانياً، أنه سيعزز تلاحمنا الوطني ويكرّس مفهوما جديدا للاستقرار الأمني والسياسي، أساسه النزاهة والكفاءة والعدالة وحكم القانون، وجعل رابطة المواطنة مقدّمة على أيْ رابطة أخرى عند حراك الأشخاص وارتقائهم الوظيفي واستلامهم المنصب العام. وهذا الشكل من الإصلاح لا يحتاج إلى التردد والتشكك والتسويف، لأنه حتماً سيكون في مصلحة الوطن والمواطن، وليس عيباً أنْ يتأثر الأردنيون بالأحداث الساخنة في الإقليم، كما أنه ليس منطقيا التخوّف من مطالباتهم الإصلاحية بالقول إنهم يستقوون بالأحداث الساخنة في الإقليم على الدولة ويضغطون عليها بالمطالب والاعتصامات! فلقد دعا جلالة الملك إلى إصلاح حقيقي وسريع، وأبدى عدم تخوّفه من أيّ إصلاح لأنه الداعي الأول له، والداعي لجعل الأردن رائد الإصلاح في المنطقة.

وكون هذا الإصلاح وطنياً ويشبهنا يعني ثالثاً أنْ نحدد ماذا نريد، وما الذي سيُحدِثُ فارقاً نوعياً إيجابياً في حياتنا العامة من دون الدخول في متاهة النقاشات التفصيلية المطوّلة التي تحرق وقتنا ومواردنا وأعصابنا. وأزعم أن غالبية الناس تتفق على أولوية إعادة بناء الثقة بين المجتمع والدولة، بحيث يتصدّر المشهد العام نخب وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة، وهذا سيكون ثمرة إنتاج إصلاحات سياسية ودستورية مهمتها تفكيك منظومة الفساد وتوسيع مشاركة الناس في صنع حاضرهم ومستقبلهم، والمشاركة العادلة في الثروة والتنمية.

وأول الإصلاحات المطلوبة قانونا الانتخاب والأحزاب. والمفترض أنْ يؤسس إصلاحهما إلى إيجاد بنية أساسية لتوسيع المشاركة الشعبية في الحياة العامة، وخلق مؤسسة برلمانية مسيّسة وفاعلة رقابيا وتشريعيا مع ترك القسط الأكبر من الجانب الخدماتي للبلديات والنقابات والهيئات والمؤسسات المختلفة ذات العلاقة. ولعل أكثر ما سيُقنِع الأردنيين بأنّ الإصلاح مثمر وحقيقي أنْ تتم معالجة ملفات الفساد بجرأة وشفافية وعبر خطوات عملية حقيقية تُعيد الاعتبار للنزاهة وتكشف الغطاء عن الفاسدين.

الإصلاح الدستوري ينبغي أنْ يُجيب عن أسئلة أساسية منها: هل الرأي العام الأردني بأغلبيته مع التوجه إلى حكومة برلمانية تمارس ولايتها العامة من خلال صندوق الانتخابات، وبما يضعف لعبة موازين القوى وتعددها وتضاربها؟ كذلك لا بد أن نسأل أين دور القطاع الخاص والمؤسسة التعليمية والمؤسسة الدينية من برنامج الإصلاح؟ وهل مشكلتنا في الملف الاقتصادي كانت في تطبيق اقتصاد السوق أم أنّ المشكلة الأساسية كانت في الفساد المالي والسياسي والإداري؟ الأمر الذي يعني أنّ أيّ إصلاح سياسي حقيقي وشامل سيكون خير رافعة لاقتصاد السوق وتمكين القطاع الخاص ومحاربة الفساد وزيادة الإنتاجية والمنافسة ورفع مستوى المعيشة في ظل "مأسسة" الشفافية والرقابة والمحاسبة.

لقد كان الأردنيون طوال تسعة عقود من عمر دولتهم يخرجون عقب كلّ حوار وطني، ورغبة في المراجعة والتقويم أكثر قوّة وتماسكا وحيوية وتفاؤلاً، وهم اليوم قادرون على مواصلة هذه المسيرة إذا ما أصرّوا على خلق نموذج في الإصلاح يشبههم. وهم الذين طالما أُعجبوا بأخلاق الفُرسان، وكرهوا اتساخ اليد وشراء الذمم وتغنّوا بالعلم والتعلّم، وأصرّوا على كرامة العيش، فهل يعثرون على هذه القيم النبيلة في قوانين وإصلاحات دستورية وسياسية تُقنعهم بأنّ هواهم لن يتغيّر؟!

يا سادة: كلمة السر هي... إعادة بناء الثقة.

الغد