على هامش الجدل حول قانون الانتخاب المنتظر (2-2)

على هامش الجدل حول قانون الانتخاب المنتظر (2-2)
الرابط المختصر

صيغة أخرى يجري تداولها لتحل محل «نظام الصوت الواحد غير المتحوّل» بشكله القائم منذ انتخابات 1993، هي تلك التي تقترح القوائم النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة (وليس الوطن) وتعيد العمل بنظام الصوت الواحد بصورة جديدة...هذه الصيغة مستوحاة إلى حد ما من التجربة العراقية الأخيرة...وهي صيغة مجترحة أساساً بهدف «استيعاب» المخاوف والهواجس التي تناولناها في مقالة الأمس وقطع الطريق عليها، حتى وإن تغلفت بمبررات و»أسباب موجبة» أخرى، ديمقراطية وتقدمية.

مشكلة هذه الصيغة تكمن أساساً في كونها «إعادة انتاج للصوت الواحد»، وغالباً على الأسس ذاتها...فبدل خلق قوائم وائتلافات وتحالفات سياسية وانتخابية وطنية...بدل جمع مختلف «الحساسيات» تحت سقف واحد، سنكون أمام حراك على مستوى المحافظة (هناك خشية من تقسيم المحافظات الكبرى التي تضم ثلاثة أرباع السكان إلى وحدات أصغر)...وهو حراك غالبا ما سيكون عشائرياً وحمائلياً...ولا يقلل من هذه الحقيقة، قيام بعض القوائم بالتنسيق «شكلياً» و»فوقياً» على المستوى الوطني، أو إدعاء أنها تخوض الانتخابات تحت يافطة واحدة أو مسمى واحد...لقد حصل شيء كهذا في الانتخابات السابقة، وخاضت أحزاب الانتخابات بقوائم وبرامج ومرشحين، فهل قلل ذلك من تداعيات الصوت الواحد وآثاره الوخيمة في ميادين الوحدة والانصهار والهويات الفرعية والتفتت المجتمعي.

هذه الصيغة «المفتوحة»، ستخلق تنافساً يصل حد الصراع بين «الإخوة الأعداء»، أعضاء القائمة الواحدة..الكل يريد أن «يجر النار إلى قرصه»، وأن يحظى هو، وليس الزميل الآخر في القائمة، بأعلى الأصوات...سنعود للقبيلة والعشيرة والحَمولة لضمان ذلك...سنخوض الانتخابات لا دفاعاً عن برنامج أو «فكرة جامعة» بل ترويجاً لشخوصنا التي نعاني من تضخمها...سيكون لكل محافظة «وجهاؤها» وأجندتها...بدل أن نسهم في خلق نخبة وطنية ونساعد على بناء أجندة مشتركة للأردنيين جميعاً...نرفض هذه الصيغة لأنها إذ «تتحوط» من زحف الإخوان و»المنابت والأصول»، تواصل العبث بوحدتنا الوطنية وتستمر في العزف على نغمة «تشكيل جبهة وجهاء» من لون معين لمواجهة «زحف الإسلاميين»...نرفض هذه الصيغة لأنها امتداد لسياسات وممارسات جٌربت في الانتخابات السابقة والجامعات وحاولوا تجريبها مع النقابات، فكانت نتائجها وبالاً على الجميع.

ثم إن هذه الصيغة ليست صديقة أبداً للأحزاب الصغيرة...فالحزب الذي بمقدوره أن يجمع أصواتاً على مستوى المملكة، تكفيه للوصول إلى البرلمان بمقعد او اثنين، لن يكون ذلك متاحاً له، وفقاً لهذا الصيغة...الأردن في هذه المرحلة، بحاجة لتمثيل أكبر عدد من القوى والأحزاب السياسية، ومن مصلحة «المتخوفين» من هيمنة الإخوان وحزبهم، أن يفسحوا في المجال لتمثيل الأحزاب الصغيرة، بدل توزيع أصواتها على الكتل الكبيرة الفائزة...سيترتب على اعتماد هذه الصيغة، غلبة للون العشائري، وحضور محسوب للأحزاب الكبرى...أما الأحزاب الصغيرة، فلا مطرح لها في هذه الصيغة...سنكون أمام طبعة غير مزيدة «كثيراً» وغير منقحة «كثيراً عن برلمانات السنوات العشر الأخيرة.

وهذا المقترح، يمكن وصفه أيضاً بأنه «ليس صديقاً» للنساء...فالقائمة المفتوحة والصوت الواحد استتباعاً، سيحرم النساء من «فرصة الصوت الثاني»...الصوت الأول في بلادنا غالباً ما يذهب للرجل...وسنضطر للبحث عن صيغ جديدة لتمثيل النساء وفقاَ لنظام الكوتا...وما ينطبق على تمثيل النساء ينطبق على تمثيل الأقليات بموجب هذه الصيغة، حيث سنضطر أيضاً إلى اعتماد الكوتا، بدل تخصيص مقاعد مضمونة لهم في القوائم على «صيغة النسبية المختلطة» والقوائم المغلفة ونظام الصوتين بدل الصوت الواحد.

يبقى أن نشير إلى قضية أساسية أخرى، استرعت الانتباه في المداولات والمناقشات الدائرة حول قانون الانتخاب الذي نريد، وهي تلك المتعلقة بالمفوضية العليا المستقلة للانتخابات، والتي يخلط البعض بينها وبين الإشراف القضائي على سير العملية الانتخابية في يوم الاقتراع تحديداً...ثمة فارق جوهري حاسم بين المسألتين...المفوضية كيان مستقل ودائم، منوط به متابعة العملية الانتخابية من وضع السجلات وحتى الطعون، أما الإشراف القضائي فلا يتعدى غالباً يوم الاقتراع...كثير من عمليات التلاعب التزوير، تجري قبل يوم الاقتراع...ألم تجر عمليات نقل وشراء الأصوات قبل يوم الاقتراع...أليست لدينا مشكلات في السجلات وتصويت الموتى والتصويت المتكرر...ألسنا بحاجة في ظل نظام نسبي أو مختلط أو «نسبي مختلط»، أن تكون لدينا جهة ما، تدقق في «الكتل والكيانات والقوائم» التي ستخوض العملية الانتخابية...المفوضية هيئة دائمة، يتم اختيار أعضائها كما نقترح، «مثالثة» بين مجلسي النواب والأعيان والمجلس القضائي، ومن أعضاء خارج هذه المجالس، ليتم تشكيلها بالإرادة الملكية السامية، ويتبع لها جهاز فني وإداري قادر على أداء مهامه، وثمة اقتراح في مشروع قانون الأحزاب، بأن تكون المفوضية «الدائمة» هي مرجعية الأحزاب السياسية، وليست وزارة الداخلية كما هو هو معمول به حالياً....الإشراف القضائي على أهميته، ليس بديلا عن وجود مفوضية مستقلة ودائمة للانتخابات، ولطالما جرت انتخابات في دول مجاورة، تحت إشراف قضائي، وكانت مضرب الأمثال في التلاعب والتزوير...ألا تذكرون تجارب الانتخابات المصرية زمن النظام المخلوع ؟!

الدستور

أضف تعليقك