على هامش الجدل حول قانون الانتخاب المنتظر
يجري التداول في عدد من الصيغ والأنماط الانتخابية التي يُراد إحلالها محل نظام «الصوت الواحد غير المتحوّل» المعمول به منذ انتخابات العام 1993، وقد شهدت «خلوة البحر الميت» للجنة الحوار كما علمنا، حواراً مكثفاً حول اثنتين من أبرزها، هما «النسبية المختلطة» و»القوائم النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة».
نحن منحازون للنسبية المختلطة، وليس للنظام المختلط المتوازي على الطريقة الفلسطينية في انتخابات 2006...ذلك ببساطة لأننا نريد أولا، وقبل أي شيء آخر، استرداد وحدتنا الوطنية وتعميقها وتكريسها، من خلال قوائم تمثل مختلف «الحساسيات» الأردنية، وعلى المستوى الوطني...ولأننا ثانياً: نريد للبرلمانات القادمة أن تكون برلمانات حزبية، حيث تصبح الأحزاب وليس العشائر والحمائل، قنوات عبورنا للمجالس النيابية...ولأننا ثالثاً: نريد للتجربة الحزبية الأردنية أن ترقى من «حالة التعددية الحزبية» إلى «النظام الحزبي» كما هو الحال في الديمقراطيات الناشئة والراسخة على حد سواء...ولأننا رابعاً: نريد كسر احتكار الأحزاب الكبيرة للتمثيل، من خلال تمكين الأحزاب الصغيرة من الحصول على مقاعد تتناسب مع حجم ونسبة الأصوات التي تحصّلت عليها...ولأننا خامساً: نريد لنساء الأردن، أن يتمثلن بأقوى وأفضل صيغة ممكنة، من خلال القوائم التي تضم أكثرهن حضوراً وفاعلية في مختلف ميادين العمل الوطني العام...ولأننا سادساً: نريد أن نلبي حاجة الأردنيين لاختيار نواب بعينهم، في دوائرهم الانتخابية، ووفق الصيغ والمعادلات التي خبروها وتعوّدوا عليها، حيث سيكون اختيار نصف أعضاء المجلس بهذه الطريقة المعتادة.
«النسبية المختلطة» كما وردت في مشروع مركز القدس للدراسات السياسية الذي عرض على «الخلوة» تستجيب على نحو أفضل، لكل هذه الأهداف، من دون أن يترتب عليها «انقلابات» أو «قفزات في المجهول» كما تخشى بعض الدوائر الداخلية للحكومة، زومن حاكاها وداعب مخاوفها من خارجها.
ثمة مخاوف غير معلنة بشكل صريح، تقف وراء رفض هذه الصيغة أو أية صيغة شبيهة بها، منها: أن هذه الصيغة قد تفتح الباب للإخوان المسلمين للاستئثار بحصة الأسد من مقاعد المجلس النيابي، وأنها سوف تحدث تغييراً جوهرياً على «هوية» البرلمان المقبل...وفي ظني أن كلا التحفظين لا أساس له من الصحة، وسوف نتوقف أمام هذه المخاوف، مع أنني من المؤمنين أشد الإيمان، بأن قانون الانتخاب، كقانون الأحزاب، لا يجب أن يبنى على المخاوف والهواجس والشكوك...فالإخوان ليسوا قوة مستوردة من «المريخ»، إنهم أبناء هذه البلاد وجزء لا يتجزأ من نسيجها الوطني والاجتماعي...أما طرح «أسئلة الهوية» بعد ستين عام من العيش والتعايش والاندماج، وبعد إطلالة الجيل الرابع من الأردنيين من أصول فلسطينية، فإنه الدليل على فشل جميع السياسات والتشريعات المبنية على «الهواجس» وهي كثيرة، وبرهان على الحاجة لولوج طريق آخر.
بالقياس إلى التجربة الممتدة منذ استئناف الحياة البرلمانية قبل 22 عاماً، لم يسبق للإخوان المسلمون وحزبهم السياسي، أن حصلوا على أكثر من ربع مقاعد المجلس، وإذا أضفنا إليهم حلفائهم من قوى قومية ويسارية وشخصيات مستقلة، فإن النسبة لم تتعد حاجز الـ30 بالمائة في برلمان واحد فقط (1989)...وفي ظني أن العودة لهذه النسبة غير ممكنة في الانتخابات المقبلة، وفقا لمختلف المؤشرات والتقديرات...ثم أن الإخوان في الأردن وغيره من الأقطار والأمصار، يخوضون الانتخابات على قاعدة «المشاركة لا المغالبة»، والاستثناء الفلسطيني لا يكسر هذه القاعدة، بل يؤكدها..لقد تفاجأ إخوان فلسطين بنصرهم...ولقد شهدنا على «صفقات» أبرمت بين الإخوان وحكومات دولهم – بما فيها حكومات أردنية سابقة – قضت بمشاركة إخوانية محصورة بعدد من المرشحين في عدد من الدوائر، لإشاعة الطمأنينة والارتياح العام.
والخشية من طرح «قوائم سرّية نائمة» للإخوان المسلمين في انتخابات «النسبية المختلطة»، لا محل لها في بلد صغير كالأردن، يعرف فيه أحدنا الآخر تمام المعرفة...ويمكن أن تكون هناك ضوابط في القانون تحدّ من هذه المخاوف...وحتى بفرض وقوع «حوادث متفرقة» من هذا النوع، فهذا جزء من «ضريبة الديمقراطية» علينا أن ندفعه، وليس ثمة نظام سياسي أو انتخابي مثالي، بل وهناك «فساد سياسي وانتخابي» حتى في أرقى الديمقراطية الغربية، يحدثك عنه الخبراء باستفاضة...ولا يمكن أن نرهن تجربتنا الديمقراطية حتى نصل إلى صيغة لا يأتيها الباطل عن يمين أو شمال «مبكّلة» أو «ما بتخرش المية» كما يقال حرفياً بالعامية الصريحة.
أما حكاية «الهوية»، فإنني أطمئن المتخوفين والمتحسبين، إلى أن انقلابا في «هوية» المؤسسات أو انقلابا عليها، لن يحدث أبداً...مشكلتنا لا تكمن في الخشية من «زحف» هوية على أخرى...مشكلتنا في «عزوف» الهوية إياها عن المشاركة...مشكلتنا تكمن في كيفية رفع نسبة المشاركة في الانتخابات لدى هذه الشريحة من 25-36 بالمائة كما هو الحال في آخر انتخابات، لتماثل نظيرتها لدى الشريحة الأخرى من المواطنين...لا حاجة لنا للتطير ...لا حاجة لنا لخلق الفزّاعات...وإلى الغد.
الدستور