عظّم الله أجركم
وقد أقرّ مجلس النواب صيغة قانون الصوت الواحد، وأبقى على 17 مقعداً فقط للقائمة الوطنية، فإنّ الرهان على أن يقوم مجلس الأعيان بإعادة النظر في الصيغة الحالية، وإصلاح ما يمكن إصلاحه، يبدو رهاناً مستحيلاً من الناحية الواقعية.
وعلى الأغلب، فإن الأمر قُضي وحُسم باتجاه استدامة هذا القانون، وما يستند إليه من منظور تقليدي-أمني ضرب الحياة العامة واللحمة الوطنية خلال العقدين الأخيرين.
في الوقت الذي نشاهد فيه أحد قادة الإخوان المسلمين في مصر، محمد مرسي، ينتقل من الزنزانة إلى أعتاب قصر الرئاسة، ويتابع الأردنيون مشهد الانتخابات الرئاسية المصرية كأنّها شأن محلي، وفي الوقت الذي تنتقل فيه المعارضة التونسية والمغربية إلى قمرة القيادة لتتحمل مسؤوليتها في إدارة الأمور، وتعبر تلك الدول المرحلة الانتقالية، فإنّنا نصر في الأردن على السير في الاتجاه المعاكس تماماً، ونتمسّك بسيناريوهات وحلول جرت تجربتها محلياً وأثبتت فشلها بامتياز!خيبة أمل كبيرة، ومأساة سياسية حقيقية أن تجرى الانتخابات النيابية القادمة وفق قانون الصوت الواحد، وفي ظل مقاطعة كبيرة؛ إذ لن تحمل أي زخم سياسي ولا دلالة ولا معنى سياسياً، ولن تؤدي إلى إقناع الناس بأنّنا نسير على خطى الإصلاح وتجاوز الأزمة، بل ستكون الانتخابات بحد ذاتها خطوة جديدة باتجاه تجذير المشكلة السياسية، لا حلها!
لماذا الإصرار على هذا السيناريو الرديء؟!
الجواب هو في القراءة والفرضيات التي تقف وراءه، وفي جوهرها أنّ جوهر الأزمة في البلاد ليس سياسياً، بل هو اقتصادي، والتعامل معه يجب أن يكون على هذا المستوى، وليس بتقديم تنازلات للمعارضة السياسية التقليدية، وتحديداً الإسلاميين.
وفقاً للقراءة الرسمية، الـ5 آلاف الذين يتظاهرون منذ عام ونصف العام في الشارع، لا يُقلقون؛ فهؤلاء ليسوا أغلبية، بل هم عدد محدود، ولم يتجاوز الحراك الشعبي الحدود المعروفة والتقليدية، وما يتم الحديث عنه من وجود حالة من الغضب والاحتقان، كل ذلك لا يعدو أن يكون مبالغات وتهويلاً من أصحاب الصوت العالي، أما الناس على الأرض فتفضّل الأمن والاستقرار، وليست معنية بمطالب الأحزاب والقوى السياسية.
أكثر من ذلك؛ فلا يجوز لهذه الأقلية (5 آلاف) أن تفرض أجندتها السياسية في قانون الانتخاب، بينما الأغلبية العظمى من المواطنين، في المحافظات والقرى، تفضّل قانون الصوت الواحد، حماية للحقوق المكتسبة التي تحصلوا عليها خلال الأعوام الماضية، عبر الدوائر الصغيرة، وأفضل ما يمكن أن نمنح القوى السياسية قائمة بـ17 مقعداً!في المحصلة، القراءة الرسمية تنظر من الزاوية التقليدية؛ فلا تشعر بأنّ هنالك أزمة سياسية حقيقية، ولا أن أسس تأسيس الحكومات وتشكيلها قد أصابها العطب ولم تعد تعمل، ولا أنّ المطلوب قانون انتخاب يحرك الحياة السياسية ويعيد إنتاج فعالية الدولة ويصعّد نخباً سياسية جديدة ذات خطاب عقلاني متقدم واقعي، ولا أن ثمة حاجة لإعادة إدماج القوى السياسية في ماكينة الحياة السياسية، وتجفيف منابع الأزمة السياسية بالانفتاح على الآراء وفتح الباب للحوار والقوى السياسية.. إلخ.
من يقودون المرحلة حالياً لا يعبؤون بالسرطان الذي ينغل في جسد المريض ويقضي عليه يوماً ويوماً، ولا بانهيار السلطة الأخلاقية في العلاقة بين الدولة والمجتمع، ولا بالتفكك الاجتماعي، ولا بفقدان الدولة لرسالتها السياسية؛ كل الموضوع هو كيف نضمن ألا يخرج الحراك الشعبي عن حدوده الطبيعية، ونتجنب الأسباب المباشرة للانفجار، وكأنّ المطلوب استدامة الأزمة لا حلها والخروج من هذه الحالة غير الصحية وغير المريحة لأحد!باختصار، وفقاً للقراءة الرسمية الحالية، ولمنطق الحرس القديم، لا يسعنا إلا أن نقول: عظّم الله أجركم في الإصلاح السياسي وفي الحلم الديمقراطي
span style=color: #ff0000;الغد/span