عشيرة ديجتال: دواوين الفيسبوك

عشيرة ديجتال: دواوين الفيسبوك

العشيرة نظام اجتماعي موجود منذ زمن بعيد، يقوم على روابط الدم والنسب من أجل تأمين الحماية للأفراد المنتسبين له، وتنظيم علاقاتهم مع الآخرين، وقد تكون وظيفتها اقتصادية أيضاً. في الأردن، فإن العشيرة التي كان لها دور سياسي منذ تشكل الإمارة في عهدها الأول، بقيت تضطلع بهذا الدور إلى يومنا هذا.

ليس هذا مجال الحديث في هذا المقال، لكن ما يعنينا هو ظهور ما يسمى (ديوان العشيرة) - في السابق أطلق عليه (المضافة) التي كانت جزءاً من بيت المختار- ومن الملاحظ أن هذه الدواوين قد ازدادت وتكاثرت منذ عشرين عاماً تقريباً، بعد أن كانت غائبة عن كثير من العشائر، وكان عددها محدوداً، ومقتصراً على بعض العشائر الكبيرة، لكننا اليوم لو قمنا بإحصائية بسيطة فإننا سنجد مجموعة منها في كل قرية وآلافاً منها في المدن الكبيرة، وربما نجد للعشيرة الواحدة في القرية الواحدة بضعة دواوين أيضاً، والملاحظة الأكثر غرابة أن بعضها مموّل من الدولة، حيث مُنحت بعض العشائر أرضاً وأموالاً من أجل بناء ديوانهم، وقد لا يكون من نافل القول السؤال عن سر اهتمام الدولة ببناء الدواوين.

بعد بناء الدواوين في العالم الحقيقي والتنافس على إقامتها وإنفاق ملايين الدنانير على ذلك، تحوّل التنافس إلى إنشاء صفحات فيسبوك خاصة بكل عشيرة، وتحوّل السباق من الدفع المالي والدعم المادي إلى الانضمام لهذه الصفحات والمشاركة فيها بفعالية، وصارت الصفحات دواوين ومضافات يمكن التبليغ من خلالها، ونشر أخبار العشيرة وتحديد مواعيد الاجتماعات واللقاءات أيضاً. وربما يصل عدد الصفحات الخاصة بالعشائر إلى المئات، بعضها باسم "عشيرة كذا" وبعضها باسم "تجمع أبناء عشيرة كذا" أو "أبناء عشيرة كذا" أو "تجمع عشيرة كذا"، وربما تكون صفحات العشائر من أكثر الصفحات نشاطاً ومشاركة.

تبرز الأسئلة في مجال التغير العشائري الرقمي عن مدى فعالية هذه الصفحات في تجميع أبناء العشيرة الواحدة، وعن هويات الأشخاص المشتركين فيها، هل هم دائماً حقيقيون؟ أم أن هناك أسماء وهمية قد تدخل من خارج أبناء العشيرة؟ وكذلك عن "الآدمن" الذي يدير هذه الصفحة ويسمح أو لا يسمح للأشخاص بالدخول إليها، وهل هو شخص مُنتخب؟ أم مجموعة أشخاص يمثّلون العشيرة الواحدة؟ أو يمثلون الأفخاذ والعائلات المنتمية لها؟ وهل تستطيع هذه الصفحات استيعاب نشر القضايا السرية الخاصة بالعشيرة "التي تقال في الغرف المقفلة"؟ التي ربما سيقابلها هنا ما يسمى "الصفحات المغلقة"؟

وربما يمكننا طرح مزيد من الأسئلة عن مستقبل العشيرة في العصر الرقمي، مثل السؤال عن إمكانية عقد الاجتماعات من خلال الحسابات المشتركة، ومناقشة القضايا الخاصة بالعشيرة على شاشة اللاب توب أو الموبايل، وأبعد من ذلك، هل يمكن أن تتحول الجاهات والعطوات إلى موضوعات رقمية من خلال حسابات الاشتراكات؟ أو ربما من خلال عمل مشاركات في حسابات "سكايب"؟

المستقبل يحمل في طياته كثيراً من التغيّرات التي لا نستطيع التنبؤ بها في الوقت الحاضر، لأننا لا نقيس حجم الأثر الذي يحدثه هذا العالم الرقمي في مفاهيمنا وقناعاتنا، فهل ستتغير نظرتنا للعشيرة والعلاقات وطبيعتها؟ حيت يصبح التواصل عبر غبار من الكلمات التي تتمثل في "البوست" و "الكومنت" و "اللايك"، أو لعلّ المشاكل العشائرية ستكون على شكل "بلوك"، أو " أنفرند" أو إلغاء اشتراكك من صفحة العشيرة إذا ما غضبت عليك، كما قال جرير:

إذا غَضِـبَـتْ علـيـكَ بـنـو تـمـيـمٍ ............ حَسِبْـتَ الـنـاسَ كُلَّـهُـمُ غِضَـابـا

لكن يبدو أن الفيسبوك سيتيح لك المجال لفرصة أخرى إذا غضبت عليك بنو تميم، لأنه سيكون بمقدورك الدخول لصفحتهم باسم مستعار إذا وضعت اسم بني تميم في آخر اسمك فقط.

 

يوسف ربابعة: كاتب وباحث وأستاذ جامعي. له مجموعة أبحاث في مجال التعليم والفكر والسياسة، ومنها: تجديد الفكر الديني، الشعر والقرآن.

أضف تعليقك