فيما انشغل الناس طيلة الاسبوع الماضي بأخبار “الطقس” كان “المطبخ السياسي” مشغولا باخراج قرارات صادمة على جبهة “مواجهة” الفساد، صحيح ان الحديث عن ضرورة فتح الملفات الكبرى في هذا الموضوع بدأ قبل نحو شهرين، وتحديدا بعد “احتجاجات” الثالث عشر من تشرين الماضي، حيث اشار آنذاك تقرير حط على طاولة “صانعي القرار” بأن ثمة مسربا اجباريا للخروج من “الازمة” وانجاح العملية الانتخابية عنوان بالتحديد “الهجوم” على الفساد، لكن الصحيح ايضا ان “برودة” الطقس الانتخابي ووجود انطباعات تدعمها بعض المعلومات بأن الاقبال على الصناديق سيكون متواضعا دفع القرار السياسي الى اتجاه “التعجيل” بفتح ملفات فساد كبرى، سواء لاستعادة ثقة “الشارع” بمؤسساته، او لتسخين اجواء الايام القليلة التي تفصلنا عن موعد الانتخابات، او لتأكيد القناعة بأن الدولة حاضرة بقوة في المشهد وبأن لا احد يستطيع ان يهرب من استحقاقات الاصلاح مهما كان وزنه.
في الاسابيع الماضية سمعت كلاما من بعض الذين التقوا شخصيات كبيرة تدور حولها اتهامات “بالفساد” ذكروا لي ان هؤلاء يستشعرون بان موعد “مساءلتهم” اقترب، وبأنهم في حالة “ذعر” غريبة، حيث بدأوا باعداد “ملفاتهم” للدفاع عن انفسهم، ونشطوا في التقرب من بعض “المرشحين” للبرلمان لدعمهم على امل ان يقفوا الى جانبهم في المستقبل، ذكروا لي ايضا ان بعض هذه الشخصيات اصبحت توزع “الاتهامات” في كل اتجاه، وتؤكد انها وقعت “ضحية” لمؤامرات او لتصفية حسابات وبأنها جاهزة للمثول امام القضاء.. لان لديها ما تقوله ولأنها على يقين ببراءتها.
اذن، حركة “الهجوم” على “عش” الفساد تبدو مفهومة على الاتجاهين: اتجاه “الفاعل” السياسي الذي اختار هذا “التوقيت” لفتح بعض الملفات الكبرى لتطمين الشارع على جدية الدولة في التقدم نحو الاصلاح، وتحسين “الصورة” امام “المترددين” في الذهاب الى صناديق الاقتراع، واتجاه “المستهدفين” من هذا الهجوم سواء على صعيد استشعارهم لاقتراب ساعة “المحاكمة” او على صعيد استنفارهم للتكيف معه او الرد عليه او اختبار جديته ومآلاته.
لكن يبقى الاهم وهو “استقبال” الشارع لمثل هذه المقررات ومدى انعاكسها على اقبال الناخبين على الصناديق، واعتقد –هنا- انه تم رصد الاحتجاجات التي خرجت في الجمعة الماضية حيث لم تمنع الاحوال الجوية الصعبة هؤلاء الشباب من الاستمرار في مطالبهم كما انه يرصد بانتباه ما يمكن ان يحدث في الجمعة التي تسبق موعد اجراء الانتخابات والقناعة المتوفرة –هنا- هي ان هدوء الشارع وتراجع مستوى حراكاته في الشهر الذي سبق الانتخابات ربما يكون مؤقتا، وبالتالي فان “التصعيد السياسي” على جبهة “الفساد” سيبعث برسالة قوية الى الناس اولا والى المقاطعين ثانيا بان عيون الدولة لم تغمض على “الفساد” وبأن مطالب “الشارع” التي تصدرها كشف الغطاء عن الفاسدين قد ادرجت فعلا على اجندة “الدولة” وبدأ تنفيذها فعلا.
وفق هذا التشخيص يبدو ان استقبال الشارع سيكون ايجابيا ذلك ان رؤية بعض الشخصيات الكبيرة امام “موازين” العدالة سيطفىء جزءا من الغضب الشعبي وسيعطي جرعة امل جديدة خاصة للشباب الذين يشعرون بان لواقط الحكومات ظلت مغلقة امام ذبذبات مطالبهم، وبأن الذهاب الى الصناديق في ظل “امتناع” الفاسدين عن المحاسبة واصرارهم على “المواجهة” واستثمارهم بالحماية سيكون بلا جدوى، الامر الذي سيحرر الكثيرين من الشعور بالمجازفة في المشاركة، ويعفيهم –اخلاقيا على الاقل- من الدفاع عن مواقفهم المطالبة بالاصلاح امام الآخرين الذين ما زالوا مصرين على “شروطهم” وممانعتهم بحجة ان “هلال” الاصلاح قد تغذرت رؤيته حتى الآن
الدستور