عبدالقدير خان طوقان
البرنامج النووي الأردني ليس مجرد خيار استراتيجي، إنه خيار حياة أو موت. (إسرائيل) لا تريد أن ننجح في خيارنا هذا، ولذلك فإن أي خطأ فيه هو مجازفة بمستقبلنا. ولهذا ليس من المقبول أن يكون هذا البرنامج بقرة مقدسة، بمعنى أن يكون فوق النقد والتساؤلات. وأبرز هذه التساؤلات هو ما يتعلق بأبي البرنامج النووي الأردني: د. خالد طوقان.
برنامج حياة أو موت
لا يعني البرنامج النووي الأردني فرصة للطاقة فقط. إنه من ضمن المشاريع التي تعطي للدولة (مغزى)، إن جاز التعبير. إنه يقوي العقد الاجتماعي ويعطي للنظام-أي نظام وفي أية دولة- عمقاً اجتماعياً استثنائياً.
مثل هذا البرنامج، إضافة إلى المشاريع الكبرى كجر مياه الديسي وخطوط سكة الحديد المزمعة، يشعر المواطن باطمئنان على مستقبل الدولة. إنه الدليل المباشر على أن هناك من يعمل متأكداً من استمرارا الدولة وبقائها. في ظل عدم اليقين الذي يسود الشارع تجاه المستقبل، ورغم كل التصريحات المطمئنة، فإن خطوات عملية إلى الأمام في مثل هذه المشاريع تعزز الثقة بالدولة وببقائها.
من ناحية الطاقة فإن المشروع قد لا يكون ذا مردود واضح، خصوصاً مع السعر المنخفض نسبياً للنفط، ومع وجود كميات كبيرة من الصخر الزيتي في الأردن. ولكن وخلال عقدين على الأكثر فإن النفط سيشح، وبالتالي تتلاشى ومرة واحدة أهميته وأهمية الصخر الزيتي، خصوصاً وأن الأخير يقف على أرضية تكنولوجية واحدة مع النفط.
الطاقة النووية لا تؤتي ثمارها خلال 5، ولا حتى 10 سنوات، ومن يبدأ اليوم قد يجني الثمار الحقيقية بعد 20 عاماً أو أكثر، أي مع بدايات أزمة النفط المقبلة.
من ناحية أخرى سيكون من السهل الاستفادة من التكنولوجيا الجديدة في تحلية مياه البحر، وحل مشكلة الأردن الأزلية.
(اسرائيل) لا ترغب
تخشى (إسرائيل) من البرنامج النووي الأردني لاعتبارات مختلفة، ليس من ضمنها أبداً احتمالية عسكرته، نظراً للكلفة العالية جداً لذلك، والبنية التقنية التي تحتاج إلى عقود لتتوافر في الأردن، على افتراض توافر التمويل والقرار الاستراتيجي للعسكرة، هذا عدا عن الثمن السياسي الدولي الكبير لمثل ذلك القرار.
(إسرائيل) تخشى من استقلالية أردنية في مجال الطاقة، هذا أولاً. لا تريد أبداً منافساً اقتصادياً في جوارها. كما تخشى من ناحية أخرى أن يحصل تلوث نووي ما بسبب تسرب ما، خصوصاً وأنها تدرك المحدودية الأردنية في هذه التكنولوجيا وخصوصاً فيما يتعلق بتخزين النفايات النووية. أما الاعتبار الثالث فهو طمعها في الاستفادة من المخزون الأردني الضخم من الخامات النووية.
تساؤلات استراتيجية
الملابسات التي ظهر بها البرنامج النووي الأردني إلى الوجود ليست مريحة. نبدأ أولاً بالحقوق الحصرية. شركة أريفا منحت حق التنقيب الحصري عن اليورانيوم في منطقة وسط الأردن. الاتفاقية لم تحظ بالعلنية الكافية، ولم تمر بقنوات تشريعية تتناسب مع كونها اتفاقية استراتيجية. هل سنخسر الكثير من احتياطياتنا في سبيل توفير الكلفة قصيرة المدى في هذه الاتفاقية؟
النقطة الثانية محط القلق هي كيفية التعامل مع النفايات النووية، وموضوع السلامة الإشعاعية بشكل عام. سبب القلق هو أن أريفا ليست ذات سمعة طيبة في هذا المجال، خصوصاً في أفريقيا.
النقطة الثالثة هي مدى كفاية الكفاءات الأردنية في هذا المجال. لا مبرر للمكابرة. الحديث هنا عن تكنولوجيا خطيرة، ويعرف الجميع ماذا حل بأوروبا الشرقية إبان كارثة مفاعل تشيرنوبل.
النقطة الرابعة هي الشفافية. من المعلوم أن أكثر المشاريع النووية سلمية في العالم تحظى بقدر كبير من السرية. ولكن هناك حاجة إلى الشفافية في الإجراءات الإدارية. هناك حاجة ماسة لمحددات تشريعية توضح ما هو المسموح بنشره وما هو غير المسموح والمصنف كأسرار دولة. ولكن الأساس هو وجود مستوى معين من اطلاع الجمهور على مشروع يمس مستقبلهم. الإطار القانوني لهيئة الطاقة الذرية الأردنية ما يزال يترك فجوات واسعة في هذا المجال، وغيره كذلك. ويكفي ان نشير هنا إلى جدل برلماني حول القانون المعدل لقانون الطاقة النووية لسنة 2007، وذلك عندما تم رد نسخته الأولى من قبل مجلس النواب في مطلع عام 2008.
د. خالد طوقان
يعرف من عمل مع د. خالد طوقان أنه رجل ذو كفاءة علمية عالية جداً، وأنه على الناحية الأخرى من أكثر الشخصيات العامة نزاهة ونظافة يد. ويذكر موظفو وزارة التربية والتعليم صورته التقليدية نهاية الأسبوع، خارجاً من باب بيته بثوبه الشعبي لاستقبال سائقه بعد أن يكون صلى الجمعة، مجهزاً نفسه لاستكمال يوم راحته في مكان عمله، وذلك أثناء عمله الدؤوب في حوسبة وزارة التربية والتعليم والمدارس.
كما لا ينسى موظفو التكنولوجيا في الوزارة أنه كان يتفقدهم في ساعات متأخرة من الليل أثناء موجات ضغط العمل –وما أكثرها- إبان ربط المدارس على شبكة الوزارة. لقد كان بالغ الإخلاص والمثابرة.
ولكن د. طوقان أنفق على حوسبة التعليم مئات الملايين خلال عدة أعوام، ما بين معدات وربط شبكات، ودورات حوسبة، ودورات بناء قدرات وتأهيل معلمين، لينتهي الأمر بكل ذلك إلى مرحلة يمكن أن نصفها بسهولة بأنه وفي ضوء ما أنفق من أجلها فإن ما تم تحقيقه أقل بكثير مما كان يمكن تحقيقه، أو بكلام آخر فإن وزارة التربية في عهد طوقان أنفقت بكفاءة منخفضة جداً. لا يوجد تناسب كاف بين ما أنفق وما تم تحقيقه.
للتدليل على ذلك يكفي أن نقول أن بعض المدارس حصلت على أجهزة حاسوب مكلفة قبل أكثر من 4 سنوات، وحتى اليوم ما يزال يعلوها الغبار دون استخدام. ويمكن إيراد العشرات من الأمثلة على عدم الكفاءة.
الرجل نزيه، ومخلص، ولكن هناك علامات استفهام حول كفاءته الإدارية.
من ناحية أكاديمية كان الرجل من ألمع كوادر كلية الهندسة في الجامعة الأردنية. ولكنه كان أكاديمياً فقط. والجامعة الأردنية لا يتوفر فيها من المعدات النووية ما يمكن ذكره في هذا الصدد، سوى المسارع المتواضع في قسم الفيزياء.
كفاءة طوقان في إدارة المشروع النووي الأردني موضع تساؤل جدي.
ويمكن إيراد أمثلة من واقع عمل طوقان الجديد في هيئة الطاقة الذرية الأردنية. فالرجل لم يفصح عما يكفي من تفاصيل، حتى ضمن الحدود غير الحساسة، كما أن النقاشات حول مكان المفاعل النووي الأردني الأول لم تكن دون فوضى.
ولكن هذا لا يعني أن د. طوقان غير مناسب. إنه بالفعل، وبكل جدية وثقة، مؤهل لأن يكون عبدالقدير خان الأردني، عبدالقدير خان الطاقة وليس القنبلة، السلمي وليس العسكري.
ولكن ذلك يتطلب أن يكون تخلص من آليات العمل التي كان يمارسها في وزارة التربية، وأهمها الإيمان المطلق بالخبراء الأجانب، وبالشركات الأجنبية، والإصرار على الجانب التقني دون البشري، والتكنوقراطية المطلقة.
طوقان يحتاج إلى الانفتاح على الأردنيين، ضمن حدود السرية المناسبة بالطبع.
ومن ناحية أخرى لا بد من رقابة حكومية مباشرة على إدارة هيئة الطاقة الذرية. إذا كان د. خالد طوقان مناسباً تماماً لإدارة الجانب الفني مع بعض المساعدة، فإنه وبالتأكيد يحتاج إلى متابعة حثيثة في النواحي الإدارية والمالية.
الموضوع بحاجة إلى فريق كامل يغطي كافة الجوانب ويشارك في القرار في كافة النواحي.
د. طوقان سينجح، ولكن ليس لوحده.