ضرورة ضم حماس لجهود السلام
لقد وضع الهجوم الإسرائيلي على أسطول الحرية المتجه إلى قطاع غزة الولايات المتحدة في موقف صعب، لكنه أعطى واشنطن أيضا فرصة لإجراء تغيير في قواعد اللعبة.
فعندما تواجه السفن ذات المهمة الإنسانية والمتجهة إلى قطاع غزة المحاصر بالعنف في المياه الدولية، فإن إدارة الرئيس أوباما تواجه بالاختيار بين طرفين، إما إسرائيل حليفها الاستراتيجي، أو مجتمع دولي أكبر بما فيه حليف رئيسي في حلف شمال الأطلسي ألا وهو تركيا. كما أن على الولايات المتحدة أيضا أن تكون حذرة في حماية المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية الهشة.
لقد عمل المبعوث الأميركي جورج ميتشل أكثر من عام لبدء المحادثات غير المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين و كانت زيارة كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو والرئيس الفلسطيني محمود عباس لواشنطن ستتم في غضون أسبوع من المواجهة التي خلفت تسعة قتلى من نشطاء السلام، من بينهم أميركي.
وعلى الولايات المتحدة أيضاً أن تتعامل مع قضية أخلاقية أوسع نطاقا، فقد قالت وزيرة الخارجية هيلاري رودام كلينتون وغيرها من كبار المسؤولين الأميركيين مرارا وتكرارا أن الوضع الراهن في المنطقة، وخاصة في قطاع غزة، لا يمكن أن يستمر، وتبدو محاولة كسر حصار لا يقره المجتمع الدولي متماشية مع هذا الهدف.
ولكن ما يعقّّد هذه الديناميكية هو قرار الولايات المتحدة بعدم التعامل مع من هم في السلطة في غزة، وهي قيود فرضتها على نفسها والتي لا معنى لها في ضوء تعهد الرئيس أوباما في محاولة لكسر العزلة التي وضع سلفه أميركا فيها والانفتاح على أعداء أميركا.
ومع نشر إستراتيجية أميركية أمنية جديدة تحذف عبارة "الإرهاب الإسلامي" وتبعد واشنطن عن مبدأ الهجمات الإستباقية، فإن هذه المقاطعة لحماس تبدو نتائجها أكثر سلبية.
لا يمكن للولايات المتحدة الأمريكية أن تستمر في الصمت على هجوم وقع في المياه الدولية على مدنيين يمثلون معظم الدول الغربية، بما فيها الولايات المتحدة. ولا يمكن الاختفاء وراء واجهة انتظار إجراء تحقيق عندما تكون الحقائق الأساسية مثل موقع الهجوم ومرتكبي جرائم القتل وعدم وجود نية للعنف أو أسلحة على متن السفن واضحة.
ومع ذلك، فما يمكن أن تفعله إدارة أوباما هو تحويل مشكلتها إلى فرصة -- إذا كان هناك استعداد لاستخدام الدبلوماسية الخلاقة والشجاعة السياسية.
ربما هدف الهجوم الإسرائيلي، فضلاً عن رفض الولايات المتحدة المستمر في إجراء محادثات مع الزعماء السياسيين في غزة، إلى إضعاف حماس ولكن العكس هو ما قد حدث حدث، فمن الناحية السياسية، عزز هذا الهجوم موقع حركة حماس وأضعف الأنظمة العربية المعتدلة مثل مصر والأردن. ولقد اضطر المصريون الذين يشاركون بخجل في الحصار المفروض على غزة، أن يفتحوا معبر رفح، ورحبت حماس بهذه الخطوة وطالبت أن يكون المعبر مفتوحا بصورة دائمةً.
من المهم أن نلاحظ أن قيادة حماس، في كل من غزة ودمشق ترسل منذ مدة إشارات إيجابية، فقد توقفت عن إطلاق الصواريخ على إسرائيل، وأصبحت مواقف قادة حماس معتدلة فيما يخص قبول دولة فلسطينية ضمن حدود عام 1967 حيث أعربت عن استعدادها للتوقيع على وقف إطلاق النار لمدى طويل. كل هذا يوفر لإدارة أوباما سبلاً واضحة للدبلوماسية المنتجة.
قد يكون الموقف الأمريكي بالامتناع عن استخدام لغة صارمة ضد إسرائيل بسبب هذه الحادثة، قد أعاد لواشنطن قدرتها على التأثير بهدوء على تل أبيب، ولكن لا يمكن أن تسمح أن يُفهم هذا الصمت بأنه قبول أو تأييد لأي عمل من أعمال العنف في المياه الدولية، فهناك طريقة أفضل للرد على إسرائيل وهي محاولة التوصل إلى تفاهم مع حماس بشأن الأمن وقضايا أخرى.
وفي مقابل البدء بحوار مع الولايات المتحدة، ينبغي أن يُطلب من حماس الموافقة على وقف إطلاق نار شامل، بما في ذلك العنف من جانب الجماعات الأكثر تطرفاً، والالتزام بعدم تعكير صفو المحادثات غير المباشرة التي ترعاها الولايات المتحدة.
حتى في إسرائيل أصبحنا نسمع أصواتا تدعو حكومتهم إلى تغيير سياستها تجاه حماس، فقد كتب جيورا ايلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي في صحيفة هآرتس اليومية المستقلة، "إن السبيل للضغط على حماس على مختلف الجبهات ... هو التحدث إليها، وليس مقاطعتها". وإذا كان الوطنيون الإسرائيليون ذوو المصداقية يطالبون حكومتهم بإجراء محادثات مع حماس، فلماذا لا ينبغي على الولايات المتحدة السير في هذا الطريق؟
قال أوباما في خطاب تنصيبه "سوف نمد يداً إذا كنتم على استعداد لإرخاء قبضة يدكم، وخلال الحملة الانتخابية، كان ثابتاً في موقفه ضد منافسيه الذين شككوا في اعتقاده عندما تحدث عن فتح الحوار مع أعداء أميركا.
والآن فإن الفلسطينيين، بما في ذلك حماس، قد أرخوا قبضتهم ودعوا الولايات المتحدة للمساعدة في إنهاء الحصار والاحتلال والشقاء، ومن خلال توسيع الحوار مع الفلسطينيين لتشمل حماس، فإن أوباما لن يحقق وعوداً انتخابية فحسب، بل أيضاً سينجح في تخفيف الأزمة الإنسانية في قطاع غزة وسيقدم مساهمة جادة لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
*كاتب فلسطيني وأستاذ إعلام سابق في جامعة برنستون الأمريكية. المقال نشر في صحيفة الواشنطن بوسط الأمريكية 5/6/2010